تتفرج على غرفة مفروشة على الأصول التركية فأدخلناها إلى القاعدة ولما لم تر فيها غير مقعد بسيط أخذتها الحيرة وطلبت مني أن أطوف بها إذا أمكن في الغرف الأخرى فتكون في غاية الامتنان فقلت لها: إن ذلك مما يزيدنا منه وسارعت حالا في إنفاذ رغبتها وفي خلال ذلك أشارت (مادام ف.) إلى رئيسة الخدم الواقفة أمامها وقالت: أثناء دخولنا قدمت يدي لهذه السيدة فلم تتناولها وإنما أخذت من يدي المظلة والآن أراها واقفة على الأقدام لا تجلس معنا فما السبب في ذلك؟ فقلت لها: لأنها جارية أيتها المادام.
فقالت: وما شأن البنات اللاتي على مقربة منها.
فقلت لها: هن مثلها أيضا.
فقالت: حسن جدا ولكن أيتها السيدة أرى في أذنيها أقراطا وفي يدها خاتما، وعلى صدرها ساعة جميلة وسلسالا وقد ظننت قبلا أنها سيدة والآن علمت إنها جارية فأخذتني الدهشة من تميزها بالحلي عن غيرها من الجواري فما السبب في ذلك وأرى أن هاته الفتاة الواقفة في الطرف الآخر لا تنقل غير قرط في أذنيها ولكن هذا القرط ليس بذي قيمة كذاك القرط، وفضلا عن ذلك فهي لا تحوي غيره من أنواع الحلي، والجارية الواقفة في تلك الجهة تحمل ساعة بسيطة وسلسالا لا غير. فقلت لها: إن الجارية التي ظننت أنها سيدة فنما هي رئيسة الخدم في هذا المنزل - أعني أنها بمنزلة مديرة لسائر الجواري - فهي التي تعلمهن كيف يجب عليهن أن يخطن ألبستهن ويسرحن شعورهن ويقمن بأمورهن الخصوصية لأنهن ساذجات غبيات، ولا تزال رئيسة عليهن حتى يصرن قادرات على إجراء ذلك وهي التي تكون بمقام الوالدة لهن مهما يكن عددهن كثيرا كان أم قليلا وسيدة المنزل تلقي التبعة عليها بأمر نظافتهن وطهارتهن فهي المرجع المسؤول ولما كانت أعمالها وخدمتها تربو على خدمة غيرها فقد أعطاها سيدها هذه الهدايا بمقابلة خدمتها.
وأما هاته الجارية الفتاة فقد جلبت إلى هذا المنزل وهي في السنة الرابعة من العمر وحتى الآن لم يعهد إليها بخدمة وعمل على الإطلاق وهي الآن في الرابعة عشرة من سنها، ولما كانت غير قادرة على العمل إلى هذا الوقت لم تحمل خدمة وعملا ورئيسة الخدم التي تنظرينها الآن قد كانت من الخدم ذوات الدراية والاستعداد في عهد رئيسة الخدم التي كانت قبلها، فنالت بمهارتها هذه المرتبة وصارت رئيسة للخدم وكانت قائمة على العناية بهاته الجارية الصغيرة وعلى ذلك فإنه من الآن فصاعدا ستنتظر الخدمة من هاته الصغيرة الأعمال التي عهد بها إليها حتى الآن ستقوم بها في المستقبل بمعنى أنها أخذت منذ الآن في مباشرة الخدمة وأما القرطان اللذان في أذنيها فقد اشترتهما بالدراهم التي اقتصدتها وادخرتها من راتبها الشهري والجارية الأخرى التي تفضلت بالسؤال عنها لا تزال حديثة العهد في هذا البيت فلم تقم، إلا بعمل قليل قد مكنها من مشترى الساعة والسلسال.
فقالت: أيتها السيدة إن الكلمات التي أسمعتنيها موجبة للحيرة والاستغراب، وسأتقدم إليك بطلب بعض التفصيلات إذا كان ذلك غير داع لإزعاجك فقلت لها: اسألي ما شئت.
قالت: ذكرت في عرض كلامك السابق شيئا عن رئيسة الخدم السابقة فأين مصيرها ومقرها الآن؟ قلت لها: