للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

انتهينا من الأكل نهضنا عن المائدة وسرنا إلى القاعة حيث تناولنا القهوة، وبعد هنيهة أخذت أترجم بني الزائرتين وبين صاحبة المنزل وأفراد العائلة، ثم إن المدام بناء على الرغبة التي أظهرتها قبلا سارت بصحبة بعض أفراد العائلة للتفرج على غرف منزلنا، وكنت وقتئذ مرافقة لهم، وكان في إحدى الغرف واحدة تقرأ تفسير المواهب، وحيث إنها كانت تقرؤه وهي مستورة الرأس بكمال الاحترام التفت الراهبة إلي وقالت سائلة: هل إن هذه السيدة تقرأ القرآن؟ قلت: تقرأ تفسيره في اللغة التركية.

قالت الراهبة: بأي شيء تتعلق الآيات التي تقرؤها يا ترى؟ فسألت القارئة: (في أي سورة تقرأين) . قالت: في سورة آل عمران.

فما فهمت الراهبة جوابها باللغة الفرنسوية.

قالت: من تعنين بعمران؟ قلت: يوجد باسم عمران اثنان الأول والد حضرة سيدنا موسى - عليه السلام - والثاني والد حضرة مريم والاثنان من بيوت بني إسرائيل.

قالت الراهبة: بأي مناسبة ورد هنا ذكر عمران؟ قلت: إن عمران قد توفي بينما كانت زوجته حنة حاملا، وقد نذرت الطفل الذي ستضعه لخدمة بيت المقدس لأنه في ذلك الزمن كانت عادة جارية عند ذوي البيوتات أن يقدموا أولادهم الذكور لخدمة بيت المقدس فحنة أيضا على أمل أنها ستضع ولدا ذكرا كانت نذرته لخدمة بيت المقدس، ولما وضعتها أنثى سمتها مريم ومعناه بالعبرانية (عابدة زاهدة) ، ولكن بما إنها لم تضع ذكر أصبحت حزينة متحسرة. وقالت: (رب إني وضعتها أنثى) (آل عمران: ٣٦) أما جناب الحق فقد قبلها بقبول حسن ورباها تربية حسنة، ولما عرضتها حنة لخدمة بيت المقدس لأجل أن تفي بنذرها تسابق الجميع لأجل تربيتها لأنها بنت إمامهم ووقعت بينهم المنافسة فاقترعوا عليها فيما بينهم، فكانت القرعة لحضرة زكريا فخصصوا لها حجرة في المسجد وتعهد حضرة زكرياء بتربيتها، وفي أنا ذلك أتته البشرى من الله أنه سيأتيه ولد يكون اسمه حنا على أن في القرآن الكريم سورة منسوبة لمريم يقال لها: (سورة مريم) فيها تفصيل هذه القصص.

قالت الراهبة: أرجو تلاوة هذه السورة لنسمعها.

وحينئذ فتحت (سورة مريم) وصار تلاوة الآيات المتعلقة بحضرة زكريا وحضرة مريم وتفاسيرها أما أنا فبادرت بترجمة ذلك بالفرنسوية فأهمتها أن حضرة مريم رأت جبرائيل - عليه السلام - بصورة بشر وإنه نفخ الروح في طوق قميصها، وبينت لها تفصيلا أن حضرة مريم عندما شعرت من نفسها بعلائم وضع الحمل جاءت إلى جذع النخلة وقالت: بأي وجه أقابل قومي (يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا) (مريم: ٢٣) ثم كيف جاءها جبرائيل وواسها وكيف تكلم حضرة عيسى وهو في المهد وما كدت أنتهي من هذا البيان المأخوذ عن القرآن الكريم والتفاسير حتى ظهرت دلائل التأثير العظيم على وجه الراهبة وقالت: يتضح من ذلك أنكم تعتقدون أن حضرة عيسى ولد بلا أب؟ فقلت لها:

<<  <   >  >>