المجازية، وبينما كان التعبير عن الله بالأب من هذا القبيل المجازي إذ نهض للتفتيش عن الأبوة الحقيقية فحصل الإيهام من تعبير الأب والابن بالنبوة والنبوة المادية وبسبب ذلك منع استعمال هذه التعبيرات في الشريعة الإسلامية، وإلا فإننا نحن أيضا نسمي الكعبة المكرمة بيت الله - يعني البيت المحترم والمشرف - عند الله - وذلك لا يفيد أن لله بيتا حقيقيا فإن الحق سبحانه وتعالى منزه عن المكان كذلك يقال: عندنا يد الله والمراد بها قدرة الله لأن الحق جل جلاله منزه عن الجسمانية.
قالت الراهبة: أتعتقدون بانتقال حضرة سيدنا عيسى إلى السماء بعد صلبه؟
قلت: نعتقد بصعوده إلى السماء ولا نعتقد بصلبه.
قالت: يا عجبا ما هذا القول؟ إن اليهود يقولون نحن صلبناه ونحن نقول: نعم، إنهم صلبوه أليس مما يوجب النظر أن دينا يأتي بعد ستمائة سنة يكذب الطرفين؟.
قلت: ليس في هذه المسألة عند المسيحيين من رواية وصلت إليهم بلا انقطاع من تبع يتعلق بهم توا وإنما أخذوا الشيء الذي سمعوه من اليهود فقبلوه. فالإسلامية والحالة هذه لا تجرح رواية النصارى على الإطلاق وإنما تجرح رواية اليهود لأنه من المعلوم أن اليهود أخذوا سيدنا عيسى - عليه السلام - ليلا إلى أحد البيوت وإذ ذاك تفرق الحواريون بأجمعهم على انه وإن كان أحدهم قد ذهب من خلفه حالة كونه بعيدا عنه إلا أن هذا قد ذهب بحال سبيله حينما أدخلوا حضرة سيدنا عيسى - عليه السلام - إلى ذلك البيت ولم يطلع أحد على ما حصل في الداخل، وقد كان في ذلك اليوم أشخاص أخر حكم عليهم بالإعدام فمن اشتداد الظلمة ظن أنهم أخذوا سيدنا عيسى، والحال أنهم صلبوا شخصاً شبه به والحق سبحانه رفع سيدنا عيسى - عليه السلام - إلى السماء فهذا هو الحق الذي بلغناه.
وحينئذ تمت الصلاة فتقدمت المرطبات على جاري العادة وأخذنا في مداولة أحاديث الوداد وبعض النوادر ثم إن المدام أوضحت لنا إذ ذاك أنها قد حصلت على المعلومات اللازمة من سياحتها، واطلعت على أشياء كثيرة كانت تجهلها من قبل فشكرت لنا كل الشكر وحمدت ما رأته منا من الإكرام لها والعناية بها، واشتركت الراهبة بالثناء أيضا مصرحة بامتنانها وسرورها مما رأته ووقفت عليه، وكلاهما ودعتانا أحسن وداع وذهبتا ممتنتين شاكرتين.
المحاورة الثانية بعد أسبوع واحد من اجتماعنا بتينك الضيفتين - كما فصلنا ذلك فيا لمحاورة الأولى - أخذت كتابا، ولما فضضت ختامه وجدت ضمنه رقعة زيارة وكتابا آخر مظروفا وقد خط على رقعة الزيارة كلمات معناها أن مرسلتها تود أن تعلم ما إذا كان يمكننا قبولها في منزلنا أم لا.
وإذا أمكن ففي أي وقت يتسنى لها أن تزورنا، وبما أنني لم أعرف اسم المرسلة المومى إليها فضضت ختام الكتاب الثاني فعرفت توقيع صاحبته وهي مدام من معتبري السواح كانت جاءت منذ السنة الماضية إلى دار السعادة واجتمعت بها في منزلنا وقد ذكرت بكتابها اجتماعنا الماضي.
ثم قالت: إن مدام ر. إحدى حبيباتها الأعزاء متهيئة للذهاب بصحبة زوجها لمشاهدة دار السعادة، وإنها قد طلبت منها الإيضاحات اللازمة عن المحال الحرية بالنظر والفرجة فيها من حيث إنها كانت ذهبت قبلا إليها، وإنها كثيرة الشوق والميل للاجتماع مع العائلات التركية وسألتها عن الواسطة التي تمكنها من الفوز بهذه الأمنية وإن هذه المدام من العالمات الفاضلات اللاتي يسر الاجتماع بهن ولأجل ذلك