قد توسعنا بهذا البحث الديني ونتائج مثل هذه الحقائق إنما هي من الأشياء التي لا تظهر إلا في الآخرة.
قلت: لا شك ولا ريب غير أننا نحن منذ الآن لا يمسنا خوف واضطراب من هذا الوجه على الإطلاق فإن سيدنا ونبينا صلى الله عليه وسلم قد جعل أمته تعرف الأنبياء السالفين - عليهم السلام - وتصدقهم وكأنا بذلك قد استحضرنا توجههم وشفاعتهم لأجلنا.
وعند ذلك أذن المؤذن للعشاء فنهض أهل المنزل لأداء صلاة التراويح وحينئذ سألت الزائرتان عن سبب ذهابهن فأنبأتهما أنهن ذاهبات لأداء الصلاة التي تؤديها في ليالي رمضان.
قالت المدام: ألا تذهبين أنت لأداء هذه الصلاة؟ قلت: إن وظيفة إكرام الضيوف منوطة بي هذا الوقت وسأذهب لتأديتها بعدئذ.
قالت: أيمكن لنا أن نحضر ونرى هذه العبادة؟ قلت: إذا رغبتما في تحمل المشقة فلا بأس من ذلك إن مثل هذه العبادات عندنا غير ممنوع على أحد أن ينظرها ودين المسلمين ظاهر للعيان، وفي ذلك أقوال مشهورة.
قالت: نكون في غاية الامتنان.
فقلت: تفضلا، وسرت بهما إلى محل النساء المفروز عن محل الرجال وهناك أخذنا في مشاهدة ومعاينة اللاتي يؤدين الصلاة جماعة، وكانت تسألاني عن معاني سورة الإخلاص التي تكرر بعد كل سلام فأترجمها لهما.
قالت المدام: لا جرم أن هذا التكرار (لسورة الإخلاص) له قدر فإن بها ألفاظا جميلة جدا.
وعندما قرئت الآية الكريمة وهي (ربنا آمنا) إلى بعد سورة الإخلاص في آخر سلام التراويح رفع الجميع أيدهن إلى العلا فسألتني الزائرتان بقولهما: ما الذي تقرؤه المصليات.
فقلت: إنها آية من القرآن الكريم وهي حكاية كلام الحواريين ومعناها: (يا ربنا قد آمنا بالكتاب الذي أنزلته علينا واتبعنا الرسول (عيسى) فاكتبنا مع الشاهدين) . وهذه الآية تقرأ عادة في نهاية صلاة التراويح التي تقام في شهر رمضان.
فقالت الراهبة: ما قولكم أنتم في الحواريين؟ قلت: هؤلاء نعم من خواص أصحاب حضرة سيدنا عيسى - عليه السلام -.
قالت الراهبة: أتقولون إن حضرة سيدنا عيسى ابن الله؟ قلت: كلا، نقول إنه عبد الله ومن كبار الأنبياء.
قالت الراهبة: أما تعتقدون أنه ولد بلا أب؟ قلت: نعم كما تقدم سابقا إن الحق سبحانه وتعالى بلا أب على وجه خارق للعادة وخلق آدم من التراب بلا أبد ولا أم، وقد عبر عن آدم أنه ابن الله في آخر آية من الفصل الثالث من الإنجيل لوقا، وورد التصريح في التوراة بعد وقعة قابيل وهابيل أن أولاد آدم قد انقسموا إلى فريقين فكانوا أبناء الله وأبناء الشيطان، ولو اقتضى أن يكون الحق جل جلاله له أبا حيث إنه ولد بلا أب لزم عن ذلك أن يبحث له عن أم ولو قيل: إنه ملك لسقط القائل بذلك في عقائد الميتولوجي الباطلة التي نهت عنها الشرائع والشريعة الموسوية أيضا، ولو كان يعبر عن الله بلفظه أب لكان العبيد المؤمنون والأعزاء يقال لهم: أبناء الله، لا جرم أن لكل ملة مثل هذه التعبيرات