للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:
فهرس الكتاب حرف الفاء وكانت هذه المدام ناقلة مروحة جميلة جدا قد سلمتها مع ردائها إلى الجارية، وهذه المروحة من المراوح ذات القيمة التي تنقلها أكبر المدامات لا لأجل رفع الحر وترطيب الهواء، ولكن لأجل إظهارها للناس وبيان قيمتها وغلاء سعرها حتى ولئن كان الهواء رطبا وليس من حاجة إليها، ولما كان هواء تلك الليلة غير حار إلى حد أن يكون هناك حاجة إلى استخدام المروحة لم تشأ هذه المدام أنت تبقيها معها عند دخولها إلى القاعدة فتركتها مع الجارية في الخارج، وقد دل هذا العمل دلالة واضحة على أنها لم تنقل هذه المروحة بقصد الفخفخة وإنما تقصد المحافظة على شأنها وشهرتها ليس إلا، وبالجملة فإن هذه الرقة المجسمة التي لم تكن تعرف ما هو الغرور ولم تختبر العظمة والكبر كانت بادية عليها آثار التواضع ومخايل أنس الجانب وكانت تتكلم بصوت لطيف يقع إلى أعماق القلب، ويدخل الآذان بلا استئذان، وكان شعرها الكستنائي النادر في الإنكليز وعيناها الزرقاوان تزيدان سيماها الجميلة جمالا وعذوبة. أما ألبستها لأنها وإن كانت كما فصلت قبلا حسنة، ومن آخر زي غير أنها كانت في غاية البساطة ولم تكن مزينة بالأزهار وما مائل من أنواع البهرجة، وكانت تشير إلى نبالتها وكمالها.

قلت: لم يخطئ نظرك أيتها المدام وإنما أنت على مثل ما علمت إلا أن الجهة الثانية معاكسة لما تعلمين على الخط المستقيم لأن وجود الضرائر هو نادر إلى درجة يشار إليها بالأصابع.

قالت: عفواً أيتها السيدة، فما هذا القول؟ قلت: لا أقول إلا الحقيقة أيتها المدام.

قالت: فإذن لا يوجد ضرائر بين السيدات الموجودات هنا في الوقت الحاضر.

قلت: كما أنه لا يوجد بينهن ضرائر كذلك لا ضرة لإحداهن مع الأخرى.

قالت: إنني بحسب الأنوثة ولئن كنت ممتنة بسبب محبتي وميلي إلى السيدات بنات النوع من ندرة تلك الحال إلا انه من حيث وجود الضرائر فلو تمكنت من مشاهدة مثل هؤلاء لأصبحت في غاية الامتنان.

قلت: لقد نطقت بالصواب من ذلك أنه على حين أنك تركية فأنت بهذا الخصوص من رأيي.

قلت: إنني إلى الآن لم أفهم ماهية فكرك أيتها لمدام فإنني لست منفردة بالتأثر على السيدات اللاتي يتزوج رجالهن بعيرهن وإنما السيدات التركيات بجملتهن متفقة معك على فكرك.

قالت: أما أنا فقد كنت أسمع أن المرأة التي يقترن زوجها بامرأة غيرها لن تتذمر من فعله وإنما تحسب ذلك أمرا إلهيا فتمتثله بالطاعة والإذعان.

قلت: لو كان ذلك أمرا إلهيا على الإطلاق لوجب على كل رجل أن يقترن بأكثر من زوجة واحدة إن الله سبحانه وتعالى يأمر الرجال أن يقترنوا حالا بزوجات على زوجاتهم وغنما سمح وأجاز ذلك عن مسيس الحاجة فلو كان هناك أمر إلهي كما تقولين ففي وقت الموت أيطلب فقط أمر الله لا جرم إنك تعتقدين مثلنا أن أمر الموت بيد الله ولكن هل أتى عليك زمن طلبت به هذا الأمر.

قالت: لا أنكر عليك الحق في مثل هذا الوجه ولكنني سمعت أن الله في الشريعة الإسلامية أمر الرجال أن يقترنوا بأربع زوجات.

قلت: إن هذا الأمر الذي تقولين عنه إنما هو بمثابة إذن إجازة الله بحسب الإيجاب، ولقد كان تعدد الزوجات جائزا في الشرائع السالفة بل لم يكن له حد معلوم أيضا، فالشريعة الإسلامية نهت عن أكثر من أربع وهذه مقيد بقيود وشروط صعبة جدا بحيث إن في إجرائه على صورة موافقة للشرع إشكالا لا مزيد عليه لأن الرجل الذي يقترن بزوجات متعددات يجبر أن يفرز لكل منهن منزلا على حدة وأن تكون نقوش غرفه مماثلة لبعضها البعض الآخر فضلا عن الأثاث والرياش وأن لا يكون ثمة بون وفرق بين ألسبتهن وزينتهن، وفي مثل ذلك لا أزيدك علما بما هناك من صعوبة المتعسر تذليلها، ولما كان من واجبات الرجل عندنا أن يهتم بإدارة زوجته وطعامها وكسوتها وسائر حاجاتها كان تعدد الزوجات نادرا بالنظر إلى تعذر القيام بضروريات واحدة فضلا عن كثيرات في عصرنا الحاضر، وزيادة عن ذلك أن المرأة التي لا ترى من زوجها عناية بشؤونها وإدارتها يحق لها أن تذهب إلى المحكمة فتشكو ظلامتها والمحكمة تأمر الرجل أن ينفق على زوجته كما أمن الزوج يصبح حينئذ مجبرا على امتثال هذه الأوامر.

قالت: إن الرجل المتمول يقتدر على إدارة أربع زوجات فلا يمنعه ذلك من تعددهن.

قلت: كلا، لا يمنعه من ذلك ولكن مشروط عليه أن يساوي بين كل من زوجاته وان لا يميز إحداهن عن الأخرى

<<  <   >  >>