ذلك الزمان أن يقترن الفتى بالفتاة في حين إنهما نزلا من بطن واحد بل كان من المقتضى شريعة آدم أن يكون الزواج بمن وضع في بطن آخر، وعليه فإن حضرة آدم - عليه السلام - عندما أمر أن يتأهل قابيل الذي ولد ابتداء بتوأم وهابيل وهذا بتوأم قابيل لم يرض بذلك قابيل فقتل أخاه هابيل، فما تقدم يعلم أن اقتران التوأمين كان ممنوعا.
ثم بعد ذلك حرم نكاح الأخت تحريما مطلقا، وكان من لجائز أن يقترن الرجل بأخته ويجمع بينهما إلى أن جاء حضرة موسى - عليه السلام - فأصبح هذا الحكم أيضا منسوخا وإنني أضرب لك مثالا آخر من إنجيل متى فقد ورد في الفصل التاسع عشر منه: أن حضرة عيسى - عليه السلام - حالة كونه صدق على التوراة فقد منع الطلاق وقت ذلك سئل بما معناه:(إذا لماذا أذن موسى بالطلاق) ، فأجاب حضرة عيسى:(إن موسى إنما كان أذن بالطلاق بالنظر إلى قسوة قلوبكم) . وبناء عليه فإن حضرة عيسى منع الطلاق لغير على الزنا.
قالت: أجل.
وفي أثناء ذلك أطلقت مدافع الإفطار فذهبنا إلى المائدة أما المدام فكانت تتناول من كافة ألوان الطعام بقابلية ولم تره غريبا عن ذوقها وكانت تسألنا عن أسمائها، فلما صار الطعام على وشك الختام أقبل الأرز فقالت: سائلة: إن الأرز عند الأتراك فغنما يقدم في آخر الطعام وهو دليل على نفاد الألوان؟ قلت: نعم، إنه لكما أشرت.
قالت: إن إستانبول هي بمثابة فهرست للإنسان كما إن مائدة الأتراك بمنزلة فهرست للطعام فقد أكلت على هذه المائدة من طعام جميع الأمم.
وفي الواقع إن ما قالته المدام كان صحيحا وقد كنا ذكرنا لها أسماء الطعام إجابة لسؤالها فكان مؤلفا في ذلك المساء من اللحم والسمك وكانا مطبوخين على النسق الإفرنجي وكان ثم دجاج جركسي وكشك الفقراء المعروف في البلاد العربية وشيخ المحشي والباذنحان بالزيت، وكنت أترجم للسيدات اللاتي على المائدة كلام المدام وكانت الغرفة التي تناولنا فيها لطعام قائمة في الطابق العلوي من المنزل وعلى طرف الجنينة وكان لها باب كبير بمصراعين يفتحان على جنينتها فبعد إذ نهضنا عن المائدة لم نعد إلى القاعة وإنما أرسلنا كرسيين إلى الجنينة من الباب المطل عليها قصد أن نروح أنفاسنا بعبير الزهر التي كانت تتضوع كأريج المسك وتناولنا القهوة هناك وكان القمر بدرا، (أي في اليوم الرابع عشر يرسل أشعته فينير ظلمات الأرض) والهواء كان عليلا لطيفا جدا.
وبعد إذ انتهينا من شرب القهوة تبادلنا مناولة الأذرع وتفرقت جمعيتنا التي كانت مؤلفة من طبقات متفاوتة في السن في أطراف الجنينة العريضة الواسعة وكانت تجتمع أحيانا لمبادلة بعض الكلمات، ثم تفترق ذهابا وإيابا أما جمعيتنا فكانت مؤلفة من خمس وهن المدام، وهذه العاجزة وثلاثة أفراد العائلة، وكان أكثر جمعيتنا يتعاطين التدخين بالسيكارات يدخن بعد الإفطار بمزيد اللذة وكانت شرارات السيكارات تضيء وتلمع من خلال الأزهار والأشجار وكانت تلك الليلة من أحسن الصدف التي تتمناها المدام لأنها كانت جامعة عددا كبيرا من الأقارب، وهو ما كانت تلك المدام تود مشاهدته.
ولما أعيانا السير على القدمين دخلنا إلى كشك حجم القاعة محاط من أطرافه بالنوافذ والشبابيك، وألقينا فيه عصا التسيار، ثم أقبل سائر الخواتين ودخلنا إلى هذا الكشك وأخذنا معا بأطراف الحديث وقد جلست المدام وهذه العاجزة تجاه النافذة القائمة في الوسط وكانت المياه تتدفق من شلالات الحوض الكبير