لا جرم أنها عادة غير ملائمة فالواجب تركها ألي أن اقتران الرجل ببنت لا يعرفها وانتقال البنت إلى رجل تعرفه من أعظم المشاكل؟ قلت: إن هذا لم يكن من المشاكل العظيمة عندنا فلو كان في شيء من ذلك لنبذ ظهريا غير أنه بمقتضى المساغ في ديننا يمكن إذا حصل اتفاق بين عائلتي الفتاة والشاب أن يرى كل منهما الآخر قبل الزواج.
قالت: أتكفي نظرة واحدة؟ لا جرم أنه يجب عليهما أن يجتمعا مليا ببعضهما بعضا وأن يتسامرا وقتا طويلا وأن يدرس كل منهما طبيعة الآخر وأخلاقه، وأحسن من ذلك أن يتحابا وتتمكن بينهما عقود الحب ليعيشا في الزواج عيشة راضية.
قلت: في اعتقادنا أن الوسيلة المفيدة في الألفة وحسن الامتزاج ليست في شيء مما ذهبت إليه أن ثمانين بل تسعين في المائة من الزواج عندنا على مثل هاته الأصول تأتي بأفضل نتيجة من حسن الامتزاج مع أن المناكحات التي تحصل في أوروبا جميعها بوجه الحب والعشق لا يترتب عليها امتزاج بين الزوجين، فإن كثيرا ممن تزوجوا عشقا وهياما قد انطفأت جذوة حبهم بعد ستة أشهر أو سنة من زواجهم، وأصبح عشقهم هباء منثورا، كأن لم يكن بالأمس شيئا مذكورا، ثم كثيرا ما أدى بهم ذلك إلى الانفصال عن بعضهما بعضا واضطر كل منهما أن يعيش منفردا.
ولعمري إن العشق الحقيقي إنما هوي أندر من النادر لكن كثيرون الذين يسعون إليه أليس أنه يوجد عدد لا يحصى من الفتيان يتوهمون الوساوس عشقا ويظنونه حباً فيسقطون في أوحال الخيال أليس أن هذا الظن الخيالي يصل بهم إلى حد أنهم ينفصلون عن آبائهم وأمهاتهم فيفرون من منازلهم وينعزلون عن أقاربهم غير أنهم يشعرون بعد ذلك بفساد هذا الوهم والظن فيندمون ولات ساعة مندم ويكرهون ظنونهم وينقلب عشقهم حقدا وبغضا؟.
فيصيرون إلى أسوأ الأحوال، ومعلوم أنه لا يجب الحكم على الظنون في انتخاب الزوجة والزوج بل يجب أن تهتم العيال في الوقوف على الحقائق وعندي أن الشاب والفتاة متى كانا متعاشقين متحابين فلا يتأنى لهما أن يدرسا أخلاق بعضهما بعضا ولا آدابهما وطبيعتهما وصفاتهما ومزاياهما ولا أن يقدراها حق قدرها وإنما تقدير ذلك منوط بأكابر العائلتين فينبغي للوالدين أن يعقدا العقد بعد استشارة أولادهما وبناتهما واستحصال رضاها وبخلاف ذلك إذا تركت لمثل هؤلاء الفتيان أنتجت أكدارا كثيرة للوالدين والأقرباء والمحبين، وربما أبلتهم بلاء مرا، وأظن إن في أوروبا أيضا لا يطلقون العنان للبنات والشبان ولا يمنحونهن الحرية التامة في مثل هذا الزواج أليس كذلك أيتها المدام؟ قالت: هكذا لا يطلق للفتيان عنان الحرية للتفكر في نهاية عواقب الأمور.
قلت: وجملة القول: إنه من الخطأ أيتها المدام حسبان هذه الأمور من مقتضى الدين فليست سوى عادات وان لكل بلاد عادات مخصوصة بها والإنسان أسير العادة أما تعديل العادة فإنه يتم تدريجا والطفرة محال والمسلمون قد ازدادوا تمسكا بعادة ستر الوجه بالنظر إلى الفائدة التي رأوها منها والعادات الحسنة والقبيحة ليست مخصوصة بقوم بدون آخرين وإنما ذلك متساو في جميع الملل.
ثم إذا أمررت النظر على الشرائع السالفة رأيت أن الدين الذي يصدق على دين جاء قبله قد بدل وعدل بعضا من أحكامه أيضا ولحكم الزمان تأثير كلي في هذا الباب إن حضرة حواء - عليها السلام - كانت تضع توأمين ذكر وأنثى ولم يكن من الجائز في