للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:
فهرس الكتاب حرف الفاء وكانت هذه المدام ناقلة مروحة جميلة جدا قد سلمتها مع ردائها إلى الجارية، وهذه المروحة من المراوح ذات القيمة التي تنقلها أكبر المدامات لا لأجل رفع الحر وترطيب الهواء، ولكن لأجل إظهارها للناس وبيان قيمتها وغلاء سعرها حتى ولئن كان الهواء رطبا وليس من حاجة إليها، ولما كان هواء تلك الليلة غير حار إلى حد أن يكون هناك حاجة إلى استخدام المروحة لم تشأ هذه المدام أنت تبقيها معها عند دخولها إلى القاعدة فتركتها مع الجارية في الخارج، وقد دل هذا العمل دلالة واضحة على أنها لم تنقل هذه المروحة بقصد الفخفخة وإنما تقصد المحافظة على شأنها وشهرتها ليس إلا، وبالجملة فإن هذه الرقة المجسمة التي لم تكن تعرف ما هو الغرور ولم تختبر العظمة والكبر كانت بادية عليها آثار التواضع ومخايل أنس الجانب وكانت تتكلم بصوت لطيف يقع إلى أعماق القلب، ويدخل الآذان بلا استئذان، وكان شعرها الكستنائي النادر في الإنكليز وعيناها الزرقاوان تزيدان سيماها الجميلة جمالا وعذوبة. أما ألبستها لأنها وإن كانت كما فصلت قبلا حسنة، ومن آخر زي غير أنها كانت في غاية البساطة ولم تكن مزينة بالأزهار وما مائل من أنواع البهرجة، وكانت تشير إلى نبالتها وكمالها.

إن في كل ملة عادات كثيرة واصطلاحات شتى حادثة وهذا أصبح عندنا عادة مألوفة والحالة هذه لم يكن ذلك من الضروريات الدينية.

إن النساء في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم كن يسترن رؤوسهن وكن يجتمعن بالرجال حالة كون شعورهن مغطاة وكل يعلم أن كثيرا من السراة كانوا يذهبون إلى حضرة فاطمة الزهراء - رضي الله عنها - كريمة حضرة الرسول الكرم صلى الله عليه وسلم ويتذاكرون معها. وفي التواريخ أن أهالي مكة بينما كانوا من ذوي العصيان على النبي صلى الله عليه وسلم وفد أبو سفيان رئيس رؤساء مكة على المدينة يعقد الصلح، ولما لم يفز بوعد من حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه ذهب إلى حضرة فاطمة الزهراء - رضي الله علنها - يرجوها التوسط في الصلح وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كان أعظم العلماء وأفاضل الأصحاب الكرام يتواردون على مجلس زوجته المطهرة عائشة - رضي الله عنها - ويطرحون عليها المسائل وينالون الأجوبة عنها، وكان النساء المباركات في ذلك العصر فاضلات عالمات كالرجال، أما حضرة فاطمة وحضرة عائشة - رضي الله عنهما - فقد اشتهرتا أيما اشتهار بالعلم والفضل، وقرض الشعر، وفصاحة الإنشاء.

وكان الرجال فضلا عن النساء يستفيدون من علمهما وفضلهما وبعد زمن السعادة كان كثيرون يتعلمون السنة من حضرة عائشة - رضي الله عنها - وكانوا يذهبون إلى مجلسها العالي فيلتقون ذلك عنها فكما أن تبليغ الشريعة كانت على مثل ما وصفت في زمن حضرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم هكذا كان أزواجه وبناته المطهرات يسترن رؤوسهن أيضا.

وكانت أمهات المؤمنين بجملتهن جائزات على شرف لا يضاهي ومنزلة لا تبارى لدى جميع الناس، وكانت الناس تتبرك بزيارتهن غير أأن حضرة عائشة - رضي الله عنها - كانت ممتازة عنهن بالعلم والفضل فكان الأصحاب الكرام يرجعون إليها زيادة عن غيرها ويتعلمون منها الحكام الدينية، ولذلك كان كلامها مسموعا ومعتبرا أكثر من سائرهن، وكانت هي محترمة كل الاحترام.

قالت: أهي عائشة التي افتري عليها؟ قلت: هي عائشة بنت أبي بكر - رضي الله عنها - التي كان افترى عليها بعض المنافقين أليس أن اليهود قد افتروا هذا الافتراء على حضرة مريم سيدة النساء؟ قالت: أسألك عفوا على قطع حديثك فداومي ما بدأت به.

قلت: إن قاعدة التستر ظلت وقتا طويلا على مثل هاته الحال إلا أن فساد الزمان قد أفرغها في صور أخرى فالعادة منعت النساء من الاجتماع بالرجال ومجالستهم.

قالت: إذا كانت أحكام الحجاب في دين الإسلام كما وصفت فلماذا لا تسمحون للرجال برؤية البنات اللاتي سيكن لهم زوجات؟ قلت: إن هناك أماكن تجيز ذلك وخصوصا في بوسنة فإن الرجال لا يقترنون بالبنات إلا بعد أن تتمكن من الفريقين روابط المحبة وهذه أصبحت عادة عندهم وفي كل محل يجوز شرعا أن يرى الرجل وجه الفتاة التي سيقترن بها حتى إن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: (انظروا وخذوا خيرهن) . لكن لكل بلدة عادة مخصومة بها فأهل تلك البلدة لن يتمكنوا من نبذ هذه العادة والخروج عن دائرة الحد المرسوم، وجميع ذلك من العادات لا من المسائل الدينية.

قالت:

<<  <   >  >>