للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:
فهرس الكتاب حرف الفاء وكانت هذه المدام ناقلة مروحة جميلة جدا قد سلمتها مع ردائها إلى الجارية، وهذه المروحة من المراوح ذات القيمة التي تنقلها أكبر المدامات لا لأجل رفع الحر وترطيب الهواء، ولكن لأجل إظهارها للناس وبيان قيمتها وغلاء سعرها حتى ولئن كان الهواء رطبا وليس من حاجة إليها، ولما كان هواء تلك الليلة غير حار إلى حد أن يكون هناك حاجة إلى استخدام المروحة لم تشأ هذه المدام أنت تبقيها معها عند دخولها إلى القاعدة فتركتها مع الجارية في الخارج، وقد دل هذا العمل دلالة واضحة على أنها لم تنقل هذه المروحة بقصد الفخفخة وإنما تقصد المحافظة على شأنها وشهرتها ليس إلا، وبالجملة فإن هذه الرقة المجسمة التي لم تكن تعرف ما هو الغرور ولم تختبر العظمة والكبر كانت بادية عليها آثار التواضع ومخايل أنس الجانب وكانت تتكلم بصوت لطيف يقع إلى أعماق القلب، ويدخل الآذان بلا استئذان، وكان شعرها الكستنائي النادر في الإنكليز وعيناها الزرقاوان تزيدان سيماها الجميلة جمالا وعذوبة. أما ألبستها لأنها وإن كانت كما فصلت قبلا حسنة، ومن آخر زي غير أنها كانت في غاية البساطة ولم تكن مزينة بالأزهار وما مائل من أنواع البهرجة، وكانت تشير إلى نبالتها وكمالها.

تطييبا لخاطرها وإحقاقا على انه لم يكن يظهر ذلك لأن الشخص الذي كان يتخذ ولدا في ذلك الزمان كان عند الناس بمثابة الوالد الحقيقي تماما فكانوا يزعمون بل يعتقدون أن من كان في مقام الأب لا يجوز له أن يتزوج بمطلقة من تبناه على أن الحكام الشرعية لمثل هذه المسائل لم يكن حاصل التفصيل بوضعها إذ ذاك.

أما زيد فإنه بعد إذ أظهر أنه لم يعد يتحمل عظمة زينب ذهب إليه فطلقها وبعد أن انقضت عدتها نزلت الآيات الكريمة بالوحي الإلهي في بيان الحكام الشرعية وبموجب هذا الوحي الرباني تزوج النبي الأكرم صلى الله عليه ولسلم وصدر الأمر بالتفريق بين الأولاد بالتبني وبين الأولاد الحقيقيين وأن ينتسب أولئك إلى آبائهم، وبعد أن كان يدعى زيد بن محمد صار يدعى يزيد بن حارثة.

قالت يفهم من ذلك أن هذه الكيفية متبعة أيضا عن مسألة الأكفاء. قلت: نعم، إن الأصل فيها عبارة عن ذلك وفروع حكمتها أيضا إنما هي توثيق الأحكام الشرعية التي ستكون قانونا للأمة في المستقبل.

ثم إن المدام أخذت بأطراف الحديث مع السيدات وكانت تسأل عن أسماء بعض مسميات في اللغة التركية وتقيدها في محفظتها وبعد انقضاء برهة على مثل هذه الحالة التفتت إلي وقالت: ألا تشتكين من إجباركن على التستر والحجاب ومن حرمانكن من مصاحبة الرجال.

قلت: أيتها المدام، إن الجواب الذي سأجيب به عن سؤالك ينقسم إلى قسمين: الأول يتعلق بالأمر الشرعي. والثاني بالعرف والعادة بمقتضى إيجاب الحال والزمان وإليك البيان: إن شعور النساء زينة لهن وداعية لاستجلاب الأنظار كثيرا بناء على ذلك كما أن الملة الموسوية قد منعت من إراءة هذه الزينة المبهجة للرجل هكذا الشريعة الإسلامية نهت عنها أيضاً.

قالت: إذن كان يجب عليكن أن تسترن شعوركن فقط حالة كوني رأيت النساء المسلمات في الأزقة يحتجبن تمام الاحتجاب عير مكتفيات ستر الشعور.

قلت أجل إن ستر الشعر كاف أيتها المدام على أن المرأة يجب أن تحافظ على كل طرف من ألبستها المكتسية بها وأن تكون في حالة لا تجعل بها سبيلا لإظهار قوامها وكسمها فالنساء التركيات اللاتي ترينهن الآن يكتسين بمثل ما تكتسي النساء الأوروبيات، والسيدات اللاتي تشاهدينهن في هاته الجمعية هن الآن بألبسة الزيارات فإذا كان هناك عرس أو وليمة اكتسين بمثل ما تكتسين أنتن به في الليالي الراقصة وفي الولائم، فإذا ليس شيء عارض الزينة فوق هذه البهرجان وستر الرأس بستار فوق الشعر عد ذلك تسترا موافقا للشريعة أما النقاب (يا شمق) والغطاء المسمى (رجة وجارشاف) فهي من عادات البلاد التي اتخذت مؤخرا.

ومازال القرويات ونساء العشائر يكتفين بستر الرأس فقط لأن ملابسهن خالية من ضروب الزينة فهن والحالة هذه يجالسن الرجال ويجلن معهم ويشاركنهم في الأشغال وأذكر لك قبيلة الملثمين الضاربة في صحاري أفريقيا وهي القبيلة التي تشكل منها دولة في بلاد المغرب ونساء هذه القبيلة إلى الآن يجلن سافرات الوجوه.

أما الرجال فإنهم يسترون وجوههم وهذه عادة مألوفة عندهم فإذا كانت شعور النساء المسلمين مستورة فالوجه شرعا غير محرم، وعليه فإن النساء لا يمتنعن شرعا من محادثة الرجال والاجتماع بهم إذا كانت أجسامهن مستورة بالملابس ومضروب على شعورهن الخمار.

قالت: فإذن لماذا لا تجتمعن بالرجال ولا تجالسنهم.

قلت:

<<  <   >  >>