قريشا بجملتها في السبيل الذي يريده ولو كانت أم حبيبة راغبة فيا لدنيا لذهبت توا إلى مكة على أمل أن تستفيد من نفوذ والدها وإقباله ومكانته.
غير أنها مل تكن من أولئك الذين يبيعون دينهم بدنياهم فحالة هاته المرأة المتدنية الصابرة التي انقطعت في ديار الغربة قد استجلبت شفقة أهل الإسلام، فكان من الأمور الطبيعية الافتكار بمعاملتها باللطف لتحصل على السلوى، وحيث لم يكن من أهل الإسلام أكفاء لها إلا بنو عبد المطلب ولذلك أرسل الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم سفيرا إلى النجاشي مظهرا رغبته في الاقتران بأم حبيبة، والنجاشي أيضا عقد نكاحها فيا لحبش على الرسول الأكرم وأرسلها بكمال الاحترام إلى المدينة المنورة، فالنساء بالطبع لا يردن أن يكون لهن ضرائر إلا أن الزوجات المطهرات - وعلى الخصوص حضرة عائشة زوجة النبي المحبوبة لديه والمزينة بالعلم والفضل - لم يكن يقلن شيئا عن تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم لأنهن كن يقدرن هذه المسائل المهمة حق قدرها. كذلك أبو سلمة بن برة بنت عبد المطلب كان أول الذين آمنوا ومن أصحاب رسولا لله صلى الله عليه وسلم مع زوجته أم سلمة إلى الحبشة، ثم إلى المدينة. وتوفي من جرح أصابه في حرب أحد فظلت أم سلمة أرملة ولما كانت من أشراف قريش ومن ربات الحسن والجمال طلبها كل من أبي بكر وعمر فلم تقبل ثم طلبها حضرة النبي صلى الله عليه وسلم فرضيت فتزوجها، وبعد ذلك تزوج الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش مطلقة زيد بن حارثة معتوقة فهذا ما بعث المعترضين على الاعتراض كما قلت. أما نحن فنعتبر أمر هذا الزواج مسألة مهمة والراغب في الوقوف على الحقيقة يلزم أن يكون على معرفة من ترجمة حال زيد وزينب إجمالا.
أما زيد بن حارثة فهو من قبيلة قضاعة أخذ أسيرا بينما كان صغيرا وبيع في مكة فاشترته حضرة خديجة ووهبته إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم فأعتقه وتبناه وكان الناس يسمونه بزيد بن محمد. وهو أحد الأربعة الذين آمنوا ابتداء - وهم خديجة، وأبو بكر، وزيد، وعلي - وكان الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم يستخدم زيدا في أهم الأشغال ويوليه قيادة الجيش إلى أية جهة كان يرسل إليها الجند.
وجملة القول: إن زيد بن حارثة كان مظهر الحسن توجه الرسول الكرم صلى الله عليه وسلم، وكان من أعاظم الملة الإسلامية فزوجه الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم بابنة خالته أي بزينب بنت أميمية بنت عبد المطلب، غير أن زيد بن حارثة مع أنه كان عربي الأصل لم يكن قرشيا.
أما بنات قريش فلم يكن يعرفن أكفاء لهن في سائر القبائل خصوصا أولا عبد المطلب فإنه يبحث لهن عن الأكفاء في أشراف قريش على أن حضرة زينب لو كانت مسرورة من زيد لوجب أن تكون متكدرة من حيث إنه لم يكن كفأ لها كما أن زيدا أيضا أخذ يفتكر في تلك المسألة الدقيقة فحمل أطوار زينب العادية على الكبر والعظمة، وهو أمر طبيعي - كما لا يخفى - فذهب ذات يوم إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وشكا إليه ما يراه من عظمة زينب بالنظر إلى قرابته منها وأنبأه إنه سيطلقها إذ بذلك يكون قد أنقذها من زوج غير كفء لها، وخلص نفسه من عظمتها على أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم قال له: ما معناه دع عنك هذا الفكر وخف الله إن المرأة لا تطلق لمثل هذه الأشياء.
ومع هذا فإن زيدا لو طلقها لما أمكن أن يكون كفأ لمثل هذه السيدة الشريفة إلا صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم فكان يمر بخاطره الرفيع وجوب الاقتران بها