فأجابت الثانية: فليتزوج ليرى أنني لست ممن يرضين في البقاء عنده.
وقالت الثالثة: إذا كان لا يحبني فبعد أن يتزوج لا أخشى من وقوع القحط في الرجال للحصول على زوج لي.
وأجابت سيدة أخرى: إن لزوجي حقا في أن يتزوج لأنني أنا أكبر منه بثمان سنوات أو تسع سنوات فهو الآن كهل في الخامسة والأربعين من العمر أما انا ففي الرابعة والخمسين، وإنني متى كنت معه في محل واحد لأخجل من أن نمر معا بإزاء المرآة.
وبعد أن ترجمت لها هذه الفقرة التزمت المدام الصمت وبعد تفكر قليل التفتت إلي قائلة: يقال: أن نبيكم صلى الله عليه وسلم كان يحب النساء كثيرا أليس كذلك؟ قلت: أجل إن نبينا تفضل بقوله: (حبب إلي من دنياكم ثلاث الطيب - أي الرائحة العطرية - والنساء وقرة عيني في الصلاة) .
قالت: الظاهر أنه لذلك أخذ كثيرا من النساء حتى أن أحد عبيده بعد أن طلق زوجته تزوجها وقيل: إن ذلك سبب اعتراض بعض المعترضين.
قالت: إن جواب كلماتك يحتاج إلى التفصيل فإذا لم يكن مما يوجب تصديع الخاطر أقدم إلى بيانه.
قالت: إنني أشكر لك شكرا جزيلا لأنني أرغب كثيراً الوقوف على حقائق هذه الأشياء.
قلت: إن نبينا صلى الله عليه وسلم تزوج في بادئ الأمر بخديجة الكبرى، وفي مدة حياتها لم يتزوج بامرأة غيرها فالذرية النبوية إنما هي باقية عنها وبعد وفاتها زوجه حضرة أبو بكر صديقه الحميم بابنته عائشة، فلما ترملت حفصة ابنة حضرة عمر رغب بها كل من أبي بكر وعثمان، فلم يتم شيء من ذلك على أن نبينا رغبة منه في تلطيف عمر تزوج بها وانتم تعلمون ما كان عليه حضرة عمر من رفعة والشأن والقدر وجميع نسائه إنا اقترن بهن لسر وحكمة - مما تقدم بيانه - وهناك سبب مستقل يتعلق بمسألة التحري والبحث عن الكف، في أمر الزواج فهذا من أن تصل بناتهن ونساءهن إلى رجال غير أكفاء لهن، ومن حيث أن المشركين في أوائل الإسلام كانوا يسومون المسلمين جوراً وعسفاً وجفاء هاجر عدد من سراتهم بأهاليهم إلى بلاد الحبشة، ثم بعد ذلك كانت الهجرة إلى المدينة بوجه عام وهذه المهاجرة أفقرت المسلمين وفي أثناء هذه الجلية أصبح عدد كبير من الرجال عزبانا وكثيرات من النساء أرامل.
ولما كان الزنا من المحرمات العظيمة في دين الإسلام لم تراع مسألة الكفاءة تماما ومع ذلك فإن هذه المسألة أي أمل وجود الأكفاء لم تبرح من أذهان المهاجرين ولم تكن تطمئن قلوب المسلمين على النساء اللاتي لم يحصلن على الأكفاء فهذا هو السبب الرئيس في تكثير الزوجات المطهرات بعد الهجرة النبوية، وها أنا أورد لك بعض أمثلة في هذا الشأن إن أم حبيبة ابنة أبي سفيان من رؤساء قريش كانت أول من آمن فهاجرت مع زوجها إلى البلاد الحبشية فتوفاه الله هناك ولبثت هي ثابتة في دين الإسلام، وحيث إن أكثر رؤساء قريش قتلوا في غزوة بدر صار أبو سفيان رئيسا لقريش في مكة وبلغ مكانة قصوى من النفوذ حتى إنه ليقال: إنه بعد عبد المطلب لم يأت رئيس صاحب نفوذ كأبي سفيان فإنه كان يسوق