أحسن الأثواب وأكملها فتفضلي يا عزيزتي بإعطائي ثوبا من الأثواب الإفرنجية الجميلة لأرتديه وأظهر به أمامهن.
قلت لها: يا عزيزتي، هل من الممكن أن تحضر خياطة لتخيط لنا أثوابا موافقة؟ نعم إن ثوبي التركي قد جاء ملائما لك من حيث إنه مفتوح الصدر ولكن مشدي لا يمكن أن يلائم كسمك وأنت تعلمين أنه لو وجد قماش من لونه وأحضرنا خياطة مخصوصة لتخيطه على طريقته موافقا لك من آخر زي للزم لأجل ذلك نهارا كامل، فهل نؤجل مقابلة ضيفاتنا إلى غدا؟ قالت لعمري، إنني أخجل من الظهور أمامهن في حالتي الحاضرة. قالت السيدة "ن": يا عزيزتي، يمكن أن تحتجبي فلا تظهري أمامهن.
قالت: ما شاء الله، كيف يمكن ذلك وأنا راغبة فيا لتفرج عليهن وعلى ألبستهن الجميلة؟ قالت:(أيتها السيدات، إن المدامات القادمات إلينا لو لم يكن عارفات بأن لنا ألبسة إفرنجية ما كن طلبن منا أن نكتسي بألبسة تركية، ومن المعلوم أنه يجب علينا أن نخدم ذوق ورغبة الضيف أكثر من ذوقنا ورغائبنا.
وبينما كنا نهزل ونهذر على هذا الوجه كانت المدامات دخلن إلى القاعة فنهضنا لاستقبالهن وبعد أن حيياهن جلسنا إلى مقربة منهن، وقد تبين لنا من منظرهن أن إحداهن ذات بعل وتبلغ السابعة والعشرين أو الثامنة والعشرين من سني العمر، ممشوقة القوام طويلته، حسنة الكسم، زرقاء العينين، شقراء الشعر، بيضاء البشرة، جميلة الجملة. والثانية: ذات خدر في التاسعة عشر أو العشرين من العمر وكانت هاتان الصبيتان شقيقتين، والشقيقة الثانية معادلة للأولى بحسنها ولطفها ومع أن الجمال واحد لا أكثر غير أن أنواعه متعددة جدا إلى حد أن ما يراه هذا جميلا يراه ذلك بالعكس، بمعنى أن الأميال مختلفة في الناس لا يمكن أن تتفق على وجه واحد، وذلك مما يمنعنا من البحث في أسرار الطبيعة. ألا ترى أن فلانا يستحسن الحاجب الأسود والعين السوداء، وفلانا يميل إلى الشعر الأشقر والعين الزرقاء، وفلانا يقف بين الذوقين فيعجبه الحد الوسط من النوعين والبعض لا يرى جميلا في غير السمينات، والآخر يحسب الجمال في الرفيعات الهزيلات. وكثيرا ما نسمع قول فلان عندما يرى سمن: آه لو كانت أقل سمنا مما هي عليه الآن. وقول الآخر عن الهزيلة: لو كانت أثر سمنا لبلغت أقصى درجات الجمال.
لا جرم أن القول هذه وعدم جمال تلك بالنظر إلى الأمزجة والأذواق ليس من الإنصاف في شيء. نعم، إن كلا من الناس مخير في ميله ورغبته له أن يستحسن ما يستقبحه الآخر وبالعكس، غير أنه لا يناسب أن يقال: هذا جميل، وذلك غير جميل بالنسبة إلى الميال والأذواق لأن الحق سبحانه وتعالى قد برأ أهل الجمال على ألوان وأشكال شتى فإغماض العين عن قدرته وحكمته غير موافق للحقانية.
وقد كانت الصغيرة جميلة الصورة إلا أن جمالها يختلف عن جمال الكبرى ومع أنها أقصر من شقيقتها بأصبعين غير أن هيف قامتها ووجود الأولى أكثر سمنا منها يظهر للعين أنهما متساوين قدا. وهي أن الصغيرة ذات عينين زرقاوين مائلتين إلى الاخضرار وأهدابهما طويلة سوداء، وحاجباها معتدلان في الوضع والرسم متوسطان بين القصر والطول، وشعرهما أسود وشعر رأسها أكلف (كستنائي) وهي بيضاء اللون كشقيقتها غيران الفرق بين بيضاء الاثنتين إن بياض الكبرى مشرب بلون أحمر على حين أن بياض الصغرى كان ناصعا شفافا.
وكان جمال الكبرى لأول نظرة بالعين الناظرة. أما الثانية فكانت على حد قول الشاعر: