وفي العشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) فتحت البرلمنت أول مرة وعين راتبها السنوي فيه ٣٨٥ ألف ليرة وكان وزيرها الأعظم اللورد "ملبرن", وكان رجلاً جليلاً محنكاً في السياسة, إلا أنها علمت أنه لا يدوم لها وأنه لا بد لها من أن تهتم بسياسة مملكتها بنفسها, فكانت تطلب منه أن يشرح لها كل قضية من القضايا السياسية ولم تكن تمضي ورقة ما لم تفهم مؤداها جيداً.
وفي الثامن والعشرين من حزيران (يونيو) سنة ١٨٣٨ م توجت في دير وستمنستر ووزعت أوراق على المدعوين بقدر ما يسع المكان ولكن أتى جم غفير من كل أنحاء البلاد لمشاهدة تتويجها فصارت ورقة الدخول تباع بخمسين جنيه لشدة ما في نفوس رعاياها من التشوق إلى مشاهدتها, وكان التاج الذي توجت به مرصعاً بالحجارة الكريمة وثمنه (١١٢٧٦٠ ليرة إنكليزية) , وبلغت نفقات تتويجها ٦٩٤٢١ ليرة, وهذا المبلغ قليل في جانب المبلغ الذي أنفق على تتويج عمها فإنه بلغ ٢٣٨ ألف ليرة وأما تاجها فإنه صاغه لها أبرع الصناع الموجودين في تلك السنة, وهو معجزة هذا الزمان وفيه يقال: ليس في الإمكان أبدع مما كان قد صيغ من الذهب على شكل بديع ورصع بألفين وسبعمائة وثلاثة وثمانين حجراً من الماس بألطف ترصيع , وفي مقدمته ياقوتة كبيرة حمراء تضيء كالمشكاة في الليلة الليلاء قيل: إنها أهديت من الملك قشتيلة بالأندلس إلى الأمير الأسود أحد ملوك الإنكليز سنة ١٣٦٧ ميلادية, وفي ذلك التاج ياقوتة زرقاء على غاية من الرونق والبهاء.
وكانت قد رأت أميراً جرمانياً في صغرها اسمه البرنس"ألبرت" ابن دوق "كويرج", والظاهر أنها أحبته من ذلك الحين, فلما استوت على عرش المملكة أرادات أن تتبع سنة الله في خلقه, فكاشفت مجلس الشورى بأنها عازمة أن تتزوج بهذا الأمير, فصوب المجلس رأيها وعين ثلاثين ألف ليرة راتباً سنوياً, ولكنه اختلف في نسبته إليها وفيمن منهما يكون له التقدم ففضت الملكة هذا المشكل بقولها: إن مقامه يكون بعد مقامها بالنسبة إلى المملكة, فاقترنت به في العاشر من شباط (فبراير) سنة ١٨٤٠ م وكان لاقترانهما احتفال عظيم في البلاد كلها.
وفي الحادي والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) سنة ١٨٤٠ م ولدت ابنته وهي التي صارت زوجة ولي عهد جرمانيا, وفي السنة التالية ولدت ولي عهدها برنس "أوف ويلس" فعم الفرح والحبور في البلاد كلها, وقدروا النفقات التي أنفقت احتفالاً بعماده بمائتي ألف ليرة وفي السنة التالية أي سنة ١٨٤٢ م زارت اسكتلندا فاحتفل الشعب الاسكتلندي بها وبزوجها احتفالاً عظيماً, ثم زارتها مراراً كثيرة وكانت أحوال المملكة في اضطراب بسبب مرض البطاطا وما رتب عليه من الضيق في "إرلند" فصرفت عنايتها وعناية مجلسها إلى تخليص رعاياها من هذا الضيق والاقتصاص من المجرمين الذين يكثر عددهم في كل بلاد اشتد الضيق فيها فوقعت في مخاطر كثيرة بسبب ذلك كما سيجيء.
وسنة ١٨٥٢ م توفي القائد العظيم دوق "ولنتنون" الذي قهر بونابرت في واقعة "وطرلو" فحزنت عليه الملكة حزناً شديداً وكتبت تقول إنها فقدت فخر إنكلتر ومجدها ورأسها وأعظم من قام فيها وهذا شأن كل ملك عظيم بقدر رجاله قدرهم ولا يبخس الناس أشياءهم.
ثم انتشبت حرب القرم وكان الشعب الإنكليزي يرى من واجباته مساعدة الدولة العلية ضد هجمات الروس, فظن أن رأي البرنس "ألبرت" زوج الملكة مخالف لرأيه في ذلك, فاتهمه بالخيانة والتشيع للروس