وكثرت القلاقل والإشاعات فأشاع بعضهم أن ألقي القبض عليه وأودع السجن, وألقي القبض على المكلة أيضاً لتشيعها له, ولكن البرنس أعرب عن آرائه السياسية في البرلمنت فهدأت أفكار الناس وزال اضطرابهم.
وفي الشهر التالي استعرضت الملكة الجيوش الذاهبة إلى القرم وزارت العمارة البحرية قبل سفرها إلى البلطيك, وهتمت بحوادث هذه الحرب أشد اهتمام وفي نيسان (أبريل) سنة١٨٥٥ م زارهما الإمبراطور نابليون وزوجته فردت لهما الزيارة في شهر آب (أوغسطس) مع زوجها.
ثم جاءتها سنة١٨٦١ م بأشد المصائب فتوفيت أمها في السادس عشر من آذار (مارس) وتوفي زوجها في الرابع عشر من (ديسمبر) وله من العمر اثنتان وأربعون سنة, فحزنت عليهما حزناً مفرطاً, ولم تعد ترى في المحافل العمومية, إلا نادراً حتى لما احتفل بزواج ابنها ولي العهد لم تمض إلا إلى الكنيسة.
وسنة ١٨٦٧ م زارها جلالة السلطان عبد العزيز خان وملكة بروسيا وإمبراطورة فرنسا وداهمتها مصيبتان أخيريان. الأولى: وفاة ابنتها الأميرة "ليس" سنة ١٨٦٨ م. والثانية وفاة ابنها دوق"الني" سنة ١٨٨٤ م. وأما الملوك بمعزل عن المصائب والنوائب ولا ينجيهم منها حصن ولا معقل.
وقد مر الآن على هذه الملكة السعيدة زيادة عن خمسين سنة وهي مستولية على سدة الملك ولم يملك أحد غيرها من ملوك الإنكليز خمسين سنة فأكثر إلا ثلاثة وهم: الملك هنري الثالث الذي ملك من سنة ١٢١٦ م إلى سنة ١٢٧٢ م, والملك إدوارد الثالث الذي ملك من سنة ١٣٢٧ م إلى سنة ١٣٧٧ م, والملك جورج الثالث الذي ملك من سنة ١٧٦٠ م إلى سنة ١٨٢٠ م.
وقد ارتقى الشعب الإنكليزي مدة ملكها ارتقاء لا مثيل له وامتدت السلطنة الإنكليزية في الأقطار المسكونة حتى يقال: إن الشمس لا تغرب عنها كلها في الأربع والعشرين ساعة.
وحدث في السلطنة الإنكليزية حوادث كثيرة تستحق الذكر غير ما ذكر.
منها: تخفيض أجرة البوسطة وتعديل شريعة المساكن واسكتلندا وإرلندا حتى صاروا ينتفعون نفعاً حقيقياً من مساعدة الحكومة, وصارت المساعدة تصل إلى الذين يحتاجونها حقيقة.
ومنها: إلغاء شرائع الحبوب وكانت هذه الشرائع تمنع إدخال الحبوب إلى إنكلترا إلا عند الغلاء الشديد بما تفرضه عليها من المكس الفاحش في أوقات الرخص فإذا كان ثمن الكوارتر (نحو ٢٠٠ أقة) من القمح ٦٢ شلناً أخذت الحكومة مكساً عليه ٢٤ شلناً وثلثي الشلن وكلما قل الثمن شلناً زاد المكس شلناً, وإذا زاد الثمن عن ذلك قل المكس كثيراً فإذا بلغ الثمن ٦٩ شلناً صار المكس ١٥ شلناً وثلثين وإذا بلغ الثمن ٧٣ شلناً صار المكس شلناً, فإذا اشترى أحد قمحاً حينما كان ثمن الكوارتر ١٨ شلناً, ثم رخص القمح فصار القمح ثمن الكوارتر ٦٩ شلناً بلغت خسارته في كل كوارتر ١٨ شلناً وثلثي الشلن لأنه يلتزم حينئذٍ أن يدفع عليه مكساً ١٥ شلناً وثلثين بدلاً من دفع شلن واحد.
ومنها: انتقال أملاك تركية الهند الشرقية إلى الحكومة الإنكليزية وبالتالي استيلاء الحكومة على كل بلاد الهند وجعلها قسماً من السلطنة الإنكليزية مع أن أهاليها يبلغون مائتي مليون وأهالي بريطانيا وإرلندا لا يبلغون الآن ٣٥ مليون.
ومنها: إباحة دخول البرلمنت لليهود ووضع نظام التعليم الجديد ولم يكن في بلاد الإنكليز نظام عام للتعليم حتى سنة ١٨٧٠ م. وما بعدها فأقرت الحكومة ترتيب المدارس على نظام ثابت وساعدتها بالأموال الوفيرة ففتحت أبواب المعرفة لكل ولد من أولاد الأمة.