فَقَالَت: اغلي زيتا، وأكوي بِهِ يَدي.
فَفعلت ذَلِك، وكويتها، وشددتها، وَقلت لَهَا: الْآن خبريني مَا دهاك، فامتنعت.
فَقلت: وَالله، إِن لم تحدثيني؛ لأكشفن أَمرك لأَبِيك.
فَقَالَت: إِنَّه وَقع فِي نَفسِي، مُنْذُ سِنِين، أَن أنبش الْقُبُور، فتقدمت إِلَى هَذِه الْجَارِيَة، فاشترت لي جلد مَاعِز بِشعرِهِ، واستعملت لي كفا من حَدِيد.
فَكنت إِذا أعتم اللَّيْل، أفتح الْبَاب، وآمرها أَن تنام فِي الدهليز، وَلَا تغلق الْبَاب، وألبس الْجلد، والكف الْحَدِيد، وأمشي على أَربع، فَلَا يشك الَّذِي يراني من فَوق سطح أَو غَيره، أنني كلب.
ثمَّ أخرج إِلَى الْمقْبرَة، وَقد عرفت من النَّهَار، خبر من يَمُوت من رُؤَسَاء الْبَلَد، وَأَيْنَ دفن، فأقصد قَبره، فأنبشه، وآخذ الأكفان، وأدخلها معي فِي الْجلد، وأمشي مشيتي، وأعود وَالْبَاب غير منغلق، فَأدْخل، وأغلقه، وأنزع تِلْكَ الْآلَة، فأدفعها إِلَى الْجَارِيَة، مَعَ مَا قد أخذت من الأكفان، فتخبئه فِي بَيت لَا تعلمُونَ بِهِ.
وَقد اجْتمع عِنْدِي نَحْو ثَلَاث مائَة كفن، أَو مَا يُقَارب هَذَا الْمِقْدَار، لَا أَدْرِي مَا أصنع بهَا، إِلَّا أَنِّي كنت أجد لهَذَا الْخُرُوج وَالْفِعْل لَذَّة لَا سَبَب لَهَا أَكثر من إصابتي بِهَذِهِ المحنة.
فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة؛ سلط عَليّ رجل أحس بِي، كَأَنَّهُ كَانَ حارسا لذَلِك الْقَبْر، فَقُمْت لأضرب وَجهه بالكف الْحَدِيد؛ ليشتغل عني، وأعدو، فداخلني
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute