للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسلمني إِلَيْهِم، وَأَعْطَاهُمْ مَالا على ذَلِك، وَأشْهد عَلَيْهِم بتسلمي، واحتاط فِي أَمْرِي.

وَكَانَت هُنَاكَ قافلة تُرِيدُ الْخُرُوج مُنْذُ مُدَّة، وتتوقى الْبَريَّة، فأنسوا بِي، وسألوني أَن آخذ مِنْهُم لنَفْسي مَالا، وللخفراء الْأَعْرَاب مَالا، وأدخلهم فِي الخفارة، ويسيرون معي، فَفعلت ذَلِك، فصرنا قافلة عَظِيمَة.

وَكَانَ معي من غلماني مِمَّن يحمل السِّلَاح نَحْو عشْرين غُلَاما، وَفِي حمالي الْقَافِلَة والتجار جمَاعَة يحملون السِّلَاح أَيْضا.

فرحلنا عَن هيت، وسرنا فِي الْبَريَّة ثَلَاثَة أَيَّام بليالها، فَبينا نَحن نسير إِذْ لاحت لنا خيل.

فَقلت للأعراب: مَا هَذِه الْخَيل؟ فَمضى مِنْهُم قوم إِلَيْهِم ثمَّ عَادوا كالمنهزمين.

فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ قوم من بني فلَان بَيْننَا وَبينهمْ شَرّ وقتال، وَنحن طلبتهم، وَلَا ثبات لنا مَعَهم، وَلَا يمكننا خفارتكم مَعَهم، وركضوا منصرفين، وَبَقينَا متحيرين، فَلم أَشك أَنهم كَانُوا من أهلهم، وَأَنَّهُمْ فعلوا ذَلِك بمواطأة علينا.

فَجمعت الْقَافِلَة، وشجعت أَهلهَا وغلماني، وضممت بَعْضهَا إِلَى بعض، وأمرتهم بِحمْل السِّلَاح، وَلأمة الْحَرْب، فصرنا حول الْقَافِلَة من خَارِجهَا متساندين إِلَيْهَا كالدائرة.

وَقلت لمن معي: لَو كَانَ هَؤُلَاءِ يَأْخُذُونَ أَمْوَالنَا وَيدعونَ جمالنا لننجو عَلَيْهَا كَانَ هَذَا أسهل، وَلَكِن الْجمال وَالدَّوَاب أول مَا تُؤْخَذ، ونتلف نَحن فِي الْبَريَّة ضَيْعَة وعطشًا، فاعملوا على أَن نُقَاتِل، فَإِن هزمناهم سلمنَا، وَإِن قتلنَا كَانَ أسهل من الْمَوْت بالعطش.

فَقَالُوا: نَفْعل.

وغشينا الْقَوْم، فقاتلناهم من انتصاف النَّهَار إِلَى أَن حجز اللَّيْل بَيْننَا، وَلم يقدروا علينا، وقتلنا عدَّة خيل، وجرحنا مِنْهُم جمَاعَة، وَمَا ظفروا منا بِعَوْرَة، وَبَاتُوا بِالْقربِ منا حنقين علينا.

<<  <  ج: ص:  >  >>