فَلَمَّا توسطته، إِذا أَنا بِفَارِس من الْجند الَّذين كَانُوا فِي دَاري فِي أَيَّام وزارتي، قد قرب مني، فعرفني، وَقَالَ: طلبة أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَعدل إِلَيّ ليقْبض عَليّ.
فلحلاوة النَّفس دَفعته ودابته، فزلق، وَوَقع فِي بعض السفن الَّتِي فِي الجسر، وتعادى النَّاس لخلاصه، وظنوا أَنه زلق بِنَفسِهِ.
وتشاغل عني بهم، وزدت أَنا فِي الْمَشْي، وَلم أعد لِئَلَّا يُنكر حَالي من يراني، إِلَى أَن عبرت الجسر وَدخلت درب سُلَيْمَان.
فَوجدت امْرَأَة على بَاب دَار مَفْتُوح، فَقلت لَهَا: يَا امْرَأَة، أَنا خَائِف من الْقَتْل، فأجيريني واحقني دمي.
فَقَالَت: ادخل، وأومأت إِلَى غرفَة، فصعدتها.
فَلَمَّا كَانَ بعد سَاعَة، إِذا بِالْبَابِ يدق، ففتحته، وَإِذا زَوجهَا قد دخل، فتأملته، فَإِذا هُوَ صَاحِبي على الجسر، وَهُوَ مشدود الرَّأْس يتأوه من شجة لحقته، وثيابه مغموسة بِالدَّمِ.
وَسَأَلته الْمَرْأَة عَن خَبره، فَأَخْبرهَا بالقصة، وَقَالَ لَهَا: قد زمنت دَابَّتي وأنفذتها لتباع فِي سوق اللَّحْم، وَقد فَاتَنِي الْغنى، وَجعل يَشْتمنِي، وَهُوَ لَا يعلم بوجودي مَعَه فِي الدَّار، وَأَقْبَلت الْمَرْأَة تترفق بِهِ إِلَى أَن هدأ.
فَلَمَّا صليت الْمغرب، وَأَقْبل الظلام، صعدت الْمَرْأَة إِلَيّ، وَقَالَت: أَظُنك صَاحب الْقِصَّة مَعَ هَذَا الرجل.
فَقلت: نعم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute