للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْن جريج، قَالَ: أخبرنَا عمر بن أبي نصر، عَن لَيْث بن عَمْرو، أَنه سمع قيس بن ذريح يَقُول ليزِيد بن سُلَيْمَان: هجرني أبواي، اثْنَتَيْ عشرَة سنة، أَسْتَأْذن عَلَيْهِمَا، فيرداني، حَتَّى طَلقتهَا.

قَالُوا: فَلَمَّا بَانَتْ لبنى مِنْهُ، بطلاقه إِيَّاهَا، وَفرغ من الْكَلَام، لم يلبث حَتَّى استطير عقله، ولحقه مثل الْجُنُون، وَجعل يبكي وينشج أحر نشيج، وَبَلغهَا الْخَبَر، فَأرْسلت إِلَى أَبِيهَا ليحملها، وَقيل: أَقَامَت حَتَّى انْقَضتْ عدتهَا، وَقيس يدْخل إِلَيْهَا، فَأرْسلت إِلَى أَبِيهَا ليحملها، فَأقبل أَبوهَا بهودج على نَاقَة، وَمَعَهُ إبل، ليحمل أثاثها.

فَلَمَّا رأى قيس ذَلِك، أقبل على جاريتها، وَقَالَ: وَيحك، مَا دهاني فِيكُم؟ فَقَالَت: لَا تَسْأَلنِي، وسل لبنى.

فَذهب ليلم بخبائها، فَمَنعه قَومهَا، وَأَقْبَلت عَلَيْهِ امْرَأَة من قَومهَا، وَقَالَت: وَيحك تسْأَل، كَأَنَّك جَاهِل أَو متجاهل، هَذِه لبنى ترحل اللَّيْلَة أَو غَدا.

فَسقط مغشيًا عَلَيْهِ، ثمَّ أَفَاق، وَبكى بكاء كثيرا، ثمَّ أنشأ يَقُول:

وإنّي لمفنٍ دمع عَيْني بالبكا ... حذار الَّذِي قد كَانَ أَو هُوَ كَائِن

وَقَالُوا غَدا أَو بعد ذَاك بليلة ... فِرَاق حبيب لم يبن وَهُوَ بَائِن

وَمَا كنت أخْشَى أَن تكون منيّتي ... بكفّيك إِلَّا أنّ مَا حَان حائن

قَالَ أَبُو الْفرج: فِي هَذِه الأبيات غناء، وَلها أَخْبَار قد ذكرت فِي أَخْبَار الْمَجْنُون قيس بن الملوح، مَجْنُون بني عَامر، ثمَّ ذكر أَبُو الْفرج بعد هَذَا عدَّة قطع من شعر قيس بن ذريح.

ثمَّ قَالَ: قَالُوا: فَلَمَّا ارتحل بهَا أَبوهَا إِلَى قَومهَا، أتبعهَا مَلِيًّا، ثمَّ علم أَن

<<  <  ج: ص:  >  >>