أَبَاهَا يسوءه أَن يسير مَعهَا، ويمنعه ذَلِك، فَوقف ينظر إِلَيْهَا ويبكي، حَتَّى غَابُوا عَن عَيْنَيْهِ، فكر رَاجعا، فَنظر إِلَى أثر خف بَعِيرهَا، فأكب عَلَيْهِ يقبله، وَرجع يقبل مَوضِع مجلسها، وَأثر قدميها، فليم على ذَلِك، وعنفه قومه فِي تَقْبِيل التُّرَاب، فَقَالَ:
وَمَا أَحْبَبْت أَرْضكُم وَلَكِن ... أقبّل إِثْر من وطئ الترابا
لقد لاقيت من كلفي بلبنى ... بلَاء مَا أسيغ لَهُ شرابًا
إِذا نَادَى الْمُنَادِي باسم لبنى ... عييت فَمَا أُطِيق لَهُ جَوَابا
ثمَّ ذكر أَبُو الْفرج قطعا من شعر قيس، وأخبارًا من أخباره منشورة، بأسانيد مُفْردَة على الْإِسْنَاد الَّذِي رويته عَنهُ هَهُنَا، ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَوَاضِع من الحَدِيث الَّذِي جمع فِيهِ من أسانيده، وأتى بسياقة يطول عَليّ أَن أذكرها فِي كتابي هَذَا، جُمْلَتهَا عَظِيم مَا لحق قيس من التململ، والسهر، والحزن، والأسفار، والبكاء الْعَظِيم، والجزع المفرط، وإلصاق خَدّه بِالْأَرْضِ على آثارها، وَخُرُوجه فِي أَثَرهَا، وشم رائحتها، وعتابه نَفسه فِي طَاعَة أَبِيه على طَلاقهَا.
ثمَّ اعتل عِلّة أشرف مِنْهَا على الْمَوْت، فَجمع لَهُ أَبوهُ فتيات الْحَيّ يعللنه، ويحدثنه، طَمَعا فِي أَن يسلو عَن لبنى، ويعلق بِوَاحِدَة مِنْهُنَّ، فيزوجه مِنْهَا، فَلم يفعل، وقصة لَهُ مَعَ طَبِيب أحضر لَهُ، وَقطع شعر كَثِيرَة لقيس فِي خلال ذَلِك.
ثمَّ إِن أَبَا لبنى شكا قيسا إِلَى مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، وَذكر تعرضه لَهَا بعد الطَّلَاق.
فَكتب مُعَاوِيَة إِلَى مَرْوَان بن الحكم بهدر دَمه إِن تعرض لَهَا، فَكتب مَرْوَان بذلك إِلَى صَاحب المَاء.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute