للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَ إخْوَانِي إِلَيْهِ، وَزَوْجَة أبي مَعنا، فَجَلَسْنَا مَجْلِسنَا الأول، فَمَا كُنَّا والنسوة إِلَّا كفرسي رهان، فأومأت إِلَى زَوْجَة أبي، فَجَلَست قَرِيبا مِنْهَا.

وَأَقْبَلت على إخْوَانِي، فَقلت لَهُم: أحسن وَالله الْقَائِل، إِذْ يَقُول:

رمتني بِسَهْم أقصد الْقلب وانثنت ... وَقد غادرت جرحا بِهِ وندوبا

فَأَقْبَلت على صويحباتها، وَقَالَت: أحسن وَالله الْقَائِل، وَأحسن من أَجَابَهُ حَيْثُ يَقُول:

بِنَا مثل مَا تَشْكُو فصبرًا لعلّنا ... نرى فرجا يشفي السقام قَرِيبا

قَالَ: فَأَمْسَكت عَن الْجَواب، خوفًا أَن يظْهر مني مَا يفضحني وَإِيَّاهَا، وانصرفنا.

وتبعتها زَوْجَة أبي، حَتَّى عرفت بَيتهَا، وَصَارَت إِلَيّ، وَأخذت بيَدي، ومضينا إِلَيْهَا، وتزاورنا، وتلاقينا على حَال مراقبة ومخالسة.

حَتَّى ظهر مَا بيني وَبَينهَا، فحجبها أَهلهَا، وتشدد عَلَيْهَا أَبوهَا، فَلم أقدر عَلَيْهَا.

فشكوت إِلَى أبي شدَّة مَا نالني، وَشدَّة مَا ألْقى، وَسَأَلته خطبتها.

فمضيت أَنا وَأبي ومشيخة قومِي إِلَى أَبِيهَا، فخطبوها، فَقَالَ: لَو كَانَ بَدَأَ بِهَذَا من قبل أَن يشهرها، لأسعفناه بحاجته وَبِمَا ألتمس، لكنه قد فضحها، فَلم أكن لأحقق قَول النَّاس فِيهَا بتزويجه إِيَّاهَا، فَانْصَرَفت على يأس مِنْهَا وَمن نَفسِي، قَالَ معبد: فَسَأَلته أَن ينزل بقربي، فَأَجَابَنِي، وَصَارَت بَيْننَا عشرَة.

ثمَّ جلس جَعْفَر بن يحيى يَوْمًا للشُّرْب، فَأَتَيْته، فَكَانَ أول صَوت غنيته بِشعر الْفَتى، فطرب عَلَيْهِ طَربا شَدِيدا، وَقَالَ: وَيحك لمن هَذَا الصَّوْت؟

<<  <  ج: ص:  >  >>