للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِن كثيرا من النَّاس خانوا السُّلْطَان، وتمتعوا بالأموال، ثمَّ طولبوا بهَا، فاحتيل عَلَيْهِم، أَن يتلفوا، ويفوز بالأموال غَيرهم.

قَالَ الْفضل: وَإِنَّمَا أردْت بذلك تسكين غضب الْمَأْمُون عَليّ، وَلم أعرض الرقعة عَلَيْهِ، وَلَا أعلمته مَا جرى بيني وَبَين عَمْرو؛ لِأَنِّي لم آمن سورته فِي ذَلِك الْوَقْت، لاشتداد غَضَبه.

فَقَالَ لي: سلم عمرا إِلَى مُحَمَّد بن يزْدَاد، قَالَ: فوجهت من سَاعَتِي، من سلم عمرا إِلَى مُحَمَّد بن يزْدَاد، فَلم يزل يعذبه بأنواع الْعَذَاب، ليبذل لَهُ شَيْئا، فَلم يفعل.

فَلَمَّا رأى أَصْحَابه وعماله، مَا قد ناله، جمعُوا لَهُ بَينهم ثَلَاثَة آلَاف ألف دِرْهَم، وسألوا عمرا أَن يبذلها لمُحَمد بن يزْدَاد، فبذلها، فَصَارَ مُحَمَّد إِلَى الْمَأْمُون متبجحا بهَا، فأوصل الْخط بهَا إِلَى الْمَأْمُون، وَأَنا وَاقِف.

فَقَالَ الْمَأْمُون: يَا فضل، ألم أعلمك، أَن غَيْرك أقوم بأمورنا مِنْك، وأطوع لما نأمره بِهِ؟ فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَرْجُو أَن أكون فِي حَال استبطاء أَمِير الْمُؤمنِينَ أعزه الله، أبلغ فِي طَاعَته من غَيْرِي.

فَقَالَ الْمَأْمُون: هَذِه رقْعَة عَمْرو بن بهنوى بِثَلَاثَة آلَاف ألف دِرْهَم.

فَقلت: وَمَا اجترأت عَلَيْهِ قطّ جرأتي عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْيَوْم، فَإِنِّي خرجت إِلَى إضبارة كَانَت مَعَ غلامي، فَأخذت الرقعة مِنْهَا مسرعا، وَقلت: وَالله، لأعلمن أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنِّي مَعَ رفقي، أبلغ فِي حياطة أَمْوَاله من غَيْرِي مَعَ غلظته وأريته رقْعَة عَمْرو الَّتِي كَانَ كتبهَا لي، وحدثته بحَديثه عَن آخِره.

<<  <  ج: ص:  >  >>