وَجَمِيع مَا يتعلمه الفرسان، وَتقدم بِمَنْعه من سُكْنى الْمنَازل، وَأمر أَن ينزل فِي الْمضَارب، وَأَن يمْنَع من أكل اللَّحْم إِلَّا مَا يصيده طَائِر يحملهُ على يَدَيْهِ، أَو كلب يسْعَى بَين يَدَيْهِ، أَو صيد بسهمه، فَكَانَت تِلْكَ حَاله حَتَّى استوفى عشر سِنِين، ثمَّ مَاتَ عَمه، وَولي أَبوهُ البطرقة بعد عَمه، وَأمره بالقدوم عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ، وَرَأى فهمه، وأدبه، وشمائله، اشْتَدَّ عجبه بِهِ، فسمح لَهُ بِمَا لم تكن الْمُلُوك تسمح بِهِ لأولادها، وَأعد لَهُ الْمضَارب والفساطيط الديباج، وَضم إِلَيْهِ جمَاعَة كثيفة من الفرسان ووسع على الْجَمِيع فِي كل مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، ورده إِلَى سُكْنى الْمضَارب، وَأَخذه بالاستبعاد عَن منَازِل أَبِيه.
قَالَ البطريق: فَلَمَّا تمت لي خمس عشرَة سنة، ركبت يَوْمًا لارتياد مَكَان أكون فِيهِ، فبصرت بغدير مَاء قدرت طوله ألف ذِرَاع وَعرضه مَا بَين ثَلَاث مائَة ذِرَاع إِلَى أَربع مائَة ذِرَاع، فَأمرت بِضَرْب مضاربي عَلَيْهِ، وتوجهت إِلَى الصَّيْد، فرزقت مِنْهُ فِي ذَلِك الْيَوْم، مَا لم أطمع فِي مثله كَثْرَة، وَنزلت فِي بعض الْمضَارب فَأمرت الطباخين، فطبخوا لي مَا اشْتهيت من الطَّعَام، ثمَّ نصبت الْمَائِدَة بَين يَدي.
فَإِنِّي لأنظر إِلَى الطبيخ يغْرف، إِذْ سَمِعت ضجة عَظِيمَة، فَمَا فهمت خَبَرهَا حَتَّى رَأَيْت رُءُوس أَصْحَابِي تتساقط عَن أبدانهم، فتنحيت عَن مَكَاني
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute