بدرهم فِي كل لَيْلَة، وَكنت أعمل مَعَه، وَكَانَ مَعَه غُلَام آخر يضْرب بالمطرقة، فأفسد ذَلِك الْغُلَام على الْحداد نعلا كَانَ يضْربهَا، فاغتاظ عَلَيْهِ، ورماه بالنعل الْحَدِيد على قلته، فَتلف للْوَقْت، فهرب الْحداد، وَبقيت أَنا فِي الْموضع متحيرا لَا أَدْرِي إِلَى أَيْن أمضي، وأحس الحارس فِي الْحَال بِمَا رابه فِي الدّكان، فهجم عَليّ فوجدني قَائِما، والغلام مَيتا فَلم يشك أَنِّي الْقَاتِل، فَقبض عَليّ ورفعني، فحبست إِلَى الْآن، فَقَالَ لصَاحب الشرطة: خل عَنهُ.
وَقَالَ لخادم آخر: خُذْهُ فَغير حَاله، وادفع إِلَيْهِ خمس مائَة دِينَار، ودعه ينْصَرف مصاحبا.
ثمَّ رفع رَأسه إِلَيّ، وَقَالَ: يَابْنَ حمدون، الْحَمد الله الَّذِي وفقني لهَذَا الْفِعْل، فَفرج عني، فَقلت: كَيفَ تكلّف أَمِير الْمُؤمنِينَ النّظر فِي هَذَا بِنَفسِهِ، فِي مثل هَذَا الْوَقْت؟ فَقَالَ: وَيحك إِنِّي رَأَيْت فِي مَنَامِي رجلا يَقُول لي: فِي حَبسك رجلَانِ مظلومان، يُقَال لأَحَدهمَا: مَنْصُور الْجمال، وَالْآخر: فلَان بن فلَان الْحداد، فأطلقهما السَّاعَة وَأحسن إِلَيْهِمَا وأنصفهما، فانتبهت مذعورا، ثمَّ نمت.
فَمَا استثقلت حَتَّى رَأَيْت الشَّخْص بِعَيْنِه، يَقُول لي: وَيلك آمُرك أَن تطلق رجلَيْنِ مظلومين فِي حَبسك، قد طَال مكثهما، وَأَن تنصفهما وتحسن إِلَيْهِمَا، فَلَا تفعل، وَترجع تنام؟ لقد هَمَمْت أَن أوجعك، فكاد يمد يَده إِلَيّ.
فَقلت لَهُ: يَا هَذَا من أَنْت؟ فَقَالَ: أَنا مُحَمَّد رَسُول الله، فَكَأَنِّي قبلت يَده، وَقلت: يَا رَسُول الله، مَا عرفتك، وَلَو عرفتك مَا تجاسرت على تَأْخِير أَمرك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute