فَصحت بِهِ: لَا تفعل، لَا تفعل، وادن مني، فَانْفَتَلَ من صلَاته، وَجَاء حَتَّى وقف بَين يَدي.
فَقلت لَهُ: مَا يحملك على أَن تَدْعُو عَليّ؟ فَقَالَ: لِأَنَّك أهنتني، واستخففت بِي، وهددتني بِالْقَتْلِ ظلما، وَقطعت أملي من طلب رِزْقِي وقوتي، وَأَنا أشكوك إِلَى الله، وَأَسْتَعِينهُ عَلَيْك.
وَكَأَنِّي أَقُول لَهُ: طب نفسا، وَلَا تدع عَليّ، فَإِنِّي أحسن إِلَيْك غَدا، وأوليك عملا، واستيقظت.
فعجبت من الْمَنَام، وَعلمت أَنِّي قد ظلمت الرجل، وَقلت فِي نَفسِي: شيخ من الْعَرَب، لَهُ سنّ وَشرف، أَسَأْت إِلَيْهِ بِغَيْر جرم، وأرعبته، وماذا عَلَيْهِ إِذا لج فِي طلب الرزق؟ وَعلمت أَن الَّذِي رَأَيْته فِي مَنَامِي موعظة فِي أمره، وحث على حفظ النعم، وَأَن لَا أنفرها بقلة الشُّكْر، وَاسْتِعْمَال الظُّلم.
فاعتقدت أَن أوليه، كَمَا وعدته فِي النّوم، فَكَانَ مَا رَأَيْت.
قَالَ الْحسن بن مسلمة: فَقَوِيت رَأْيه فِي هَذَا، ودعوت لَهُ، وانصرفت، فَجَاءَنِي من الْعشي حَامِد، مُسلما، ومودعا، ليخرج إِلَى عمله.
فَقلت لَهُ: هَات الْآن خبرك.
فَقَالَ: نعم، انصرفت من بَاب خُزَيْمَة موجع الْقلب، قلقا، مرتاعا.
فَأخْبرت عيالي، فَصَارَ فِي دَاري مأتم، وبكاء عَظِيم، وَلم أطْعم أَنا، وَلَا هم شَيْئا يَوْمنَا وليلتنا، وأمسيت كَذَلِك.
فَلَمَّا هدأت الْعُيُون تَوَضَّأت، واستقبلت الْقبْلَة، فَصليت مَا شَاءَ الله، وتضرعت إِلَى الله، ودعوته بإخلاص نِيَّة، وَصدق طوية، وأطلت، فحملتني عَيْني، فَنمت وَأَنا ساجد فِي الْقبْلَة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute