وَقَالَ لَهُ: نجز هَذَا، واختر من الضّيَاع مَا ترى، وانصب لَهَا ديوانا، وَوَصله، وَجعل لَهُ منزلَة كَبِيرَة، بِكِتَابَة الْوَلَد.
فَلَمَّا فرغ من ذَلِك، وَقَامَ بِهِ؛ جرى أَمر آخر، أوجب أَن رد إِلَيْهِ أَيْضا أَمر سَائِر الْحرم، وَجعل لَهُ قبض جراياتهن وأرزاقهن، وإنفاق ذَلِك عَلَيْهِنَّ، وَصرف وكلاءهن وأسبابهن عَنْهُن، وزادت مَنْزِلَته بذلك لِكَثْرَة الْحرم.
فَبَيْنَمَا سَلمَة يتَرَدَّد فِي دَار المتَوَكل، إِلَى مقاصير الْوَلَد وَالْحرم، وَقعت عين المتَوَكل عَلَيْهِ، فاستدعاه.
وَقَالَ لَهُ: يَا سَلمَة، مَا أَكثر مَا يذهب على الْمُلُوك، حفظت بك وَلَدي وحرمي، وأضعت نَفسِي، وَلَيْسَ لي مِنْك عوض، قد رددت إِلَيْك بَيت المَال، وخزائن الْفرش، وَالْكِسْوَة، وَالطّيب، وَسَائِر أَمر الدَّار، فتسلم ذَلِك، واستخلف عَلَيْهِ من تثق بِهِ.
وَكَانَ قد أنكر عَلَيْهِ فِي بعض خدمته شَيْئا، فَأمر باعتقاله، ففرشت لَهُ حجرَة، وَترك خلفاؤه يعْملُونَ.
ثمَّ ذكره فِي اللَّيْل، وَهُوَ يشرب، فَقَالَ لخادم: امْضِ إِلَى الْحُجْرَة الَّتِي فِيهَا سَلمَة، فَاطلع عَلَيْهِ، وعرفني الصُّورَة الَّتِي تَجدهُ عَلَيْهَا.
فعاود وَذكر أَنه وجده يسود، ثمَّ أَعَادَهُ بعد وَقت آخر، فَوَجَدَهُ على ذَلِك، وَأَعَادَهُ الثَّالِثَة، فَكَانَت الصُّورَة وَاحِدَة.
فَاسْتَحْضرهُ، وَقَالَ: أَنْت شيخ كَبِير، تسود ليجود خطك فِي الْآخِرَة، أَو لتصل بِهِ فِي الدُّنْيَا إِلَى أَكثر مِمَّا وصلت إِلَيْهِ؟ قَالَ: لَا هَذَا وَلَا هَذَا، وَلَكِنَّك لما اعتقلتني، وأقررت أَصْحَابِي؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute