للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاستدعي دَوَاة وبياضا، وَكتب فِيهَا وَصيته، وَدفعهَا إِلَى الْخَادِم الَّذِي كَانَ مَعَه، وأنفذه إِلَى منزله، وسرنا بِهِ، حَتَّى أدخلْنَاهُ على الْمَأْمُون، فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ؛ زبره، وانتهره.

ثمَّ قَالَ لَهُ: من أَنْت؟ وَبِمَ اسْتحق مِنْك البرامكة مَا تصنع فِي دُورهمْ وخراباتهم؟ فَقَالَ غير هائب، وَلَا محتشم: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن للبرامكة عِنْدِي أياد، فَإِن أَمر أَمِير الْمُؤمنِينَ حدثته بإحداها.

فَقَالَ: هَات.

قَالَ: أَنا الْمُنْذر بن الْمُغيرَة الدِّمَشْقِي، من ذَوي الْحسب، نشأت فِي ظلّ نعم قديمَة، فَزَالَتْ عني، كَمَا تَزُول النعم عَن النَّاس، حَتَّى أفضيت إِلَى بيع مسْقط رَأْسِي ورءوس آبَائِي، وأملقت حَتَّى لَا غَايَة، فأشير عَليّ بِقصد البرامكة.

فَخرجت من الشَّام إِلَى بَغْدَاد، وَمَعِي نَيف وَعِشْرُونَ امْرَأَة وصبيا وصبية، فَدخلت بهم مَدِينَة السَّلَام، فأنزلتهم فِي مَسْجِد.

ثمَّ عَمَدت إِلَى ثويبات كنت قد أعددتها للقاء النَّاس، والتذرع بهَا للبرامكة، فلبستها، وسلكت الطَّرِيق، لَا أَدْرِي أَيْن أقصد، وَكنت كَمَا قيل:

وَأصْبح لَا يدْرِي وَإِن كَانَ حازما ... أقدامه خير لَهُ أم وَرَاءه؟

فَلَمَّا قَالَ ذَلِك؛ بَكَى الْمَأْمُون، فَقَالَ لَهُ مسرور: أقصر يَا رجل، فقد أَتعبت أَمِير الْمُؤمنِينَ بوصفك.

فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون: دَعه يتحدث بِمَا يُرِيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>