أَن الْعَبَّاس لم يسمح لي بِشَيْء، مَعَ جوده، وتحملت، وَخرجت إِلَى ذَلِك الْبَلَد، فأوصلت الْكتاب الَّذِي كتبه لي الْكَاتِب عَنهُ.
فردني ذَلِك الْأَمِير أقبح رد، وآيسني، وَقَالَ: قد بلينا بهؤلاء الشحاذين، يجيئونا فِي كل يَوْم بكتب لَا تَسَاوِي مدادها، ويقطعونا عَن أشغالنا، انْصَرف، فمالك عِنْدِي تصرف، وَلَا بر.
فورد عَليّ مَا لم أر مثله، وَمَا هالني وَقطع بِي، وَكنت قد سَافَرت إِلَيْهِ، وَقطعت شقة بعيدَة، فَانْصَرَفت أسوء النَّاس حَالا.
وفكرت لَيْلَتي، فَقلت: لَيْسَ إِلَّا الْعود إِلَيْهِ ومداراته، فَلَعَلَّ أَن يعطيني قدر نَفَقَة الطَّرِيق، فأتحمل بهَا.
فعدت إِلَيْهِ، وخاطبته بِكُل رفق وخضوع وسؤال وَهُوَ يخْش عَليّ، ويؤيسني، إِلَى أَن قَالَ لحاجبه: أخرجه عني، وَلَا تَدعه بعْدهَا يدْخل إِلَيّ.
فورد عَليّ أعظم من الأول، وَخرجت أخزى خُرُوج، وأقمت أَيَّامًا لَا أَعُود إِلَيْهِ، وَلَا أَدْرِي مَا أصنع، إِلَّا أَن بقالا فِي الْمحلة الَّتِي نزلتها يعطيني خبْزًا وإداما بنسيئة.
فَجَلَست إِلَيْهِ يَوْمًا وَأَنا متحير، وَالْغَم بَين عَليّ، فَسمِعت قَائِلا يَقُول: إِن الْأَمِير قد جلس للمظالم، جُلُوسًا ارْتَفع عَنهُ الْحجاب فِيهِ، ففكرت كَيفَ أعمل؟ وَذكرت الْكتاب بالسفتجة، فَقلت: أَمْشِي وأجعلها نادرة كالظلامة، فَإِن أَعْطَانِي شَيْئا، وَإِلَّا فضحته بَين رَعيته، وانصرفت.
فَأخذت السفتجة، وَجئْت، فَلم أصادف بِالْبَابِ من يَمْنعنِي، فَدخلت إِلَيْهِ.
فحين رَآنِي اغتاظ عَليّ، وَقَالَ لحاجبه: ألم آمُرك أَن لَا تدخل هَذَا إِلَيّ؟ فَقَالَ: كَانَ الْإِذْن عَاما، وَلم يُمَيّز.
فَأقبل الْأَمِير عَليّ، فَقَالَ: ألم أقل لَك، وأؤيسك مني؟ فَمَا هَذِه الْمُلَازمَة،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute