وَذكر مُحَمَّد بن عَبدُوس فِي كِتَابه: كتاب (الوزراء) فِي أَخْبَار أَحْمد بن أبي خَالِد، قَالَ: كَانَ سَبَب اتِّصَاله بالمأمون: أَن الرشيد لما سخط على البرامكة، واتصل خبرهم، وَمَا هم فِيهِ من الضّيق، بِأَحْمَد بن أبي خَالِد؛ شخص نَحْو الرقة، فوافاها وَقد أَمر الرشيد بِمَنْع حاشيتهم من الدُّخُول إِلَيْهِم.
فَلم يزل يحتال حَتَّى وصل إِلَى يحيى، فانتسب لَهُ، وعرفه أَنه قَصده لخدمته.
فَرَحَّبَ بِهِ يحيى، وأعلمه أَنه كَانَ يحب أَن يَقْصِدهُ فِي وَقت إِمْكَان الْأُمُور، ليبلغ من مكافأته وَتَحْقِيق ظَنّه حسب رغبته.
فشكره أَحْمد، وَسَأَلَهُ قبُول شَيْء حمله مَعَه، وَإِن كَانَ يَسِيرا، وضرع إِلَيْهِ.
فَدفعهُ يحيى عَنهُ، وَقَالَ: نَحن فِي كِفَايَة.
فألح أَحْمد عَلَيْهِ، وأعلمه أَنه لَا يَثِق بِقبُول انْقِطَاعه إِلَيْهِ إِلَّا بإجابته إِلَى مَا سَأَلَ.
فَسَأَلَهُ يحيى عَن مِقْدَار ذَلِك، فَقَالَ: عشرَة آلَاف دِرْهَم.
فَقَالَ: ادفعها إِلَى السجان.
وَقَالَ لِأَحْمَد: إِن حَالنَا حَال لَا نرجو مَعهَا بُلُوغ مكافأتك، وَلَكِنِّي سأكتب لَك كتابا إِلَى رجل سيقوم بِأَمْر الْخَلِيفَة الَّذِي يملك خُرَاسَان، فأوصل إِلَيْهِ كتابي، فسيقوم بِقَضَاء حَقك.
ثمَّ كتب لَهُ فِي قريطيس كتابا، وطواه، وَوضع عَلَيْهِ خَاتمه، فَانْصَرف أَحْمد إِلَى منزله.
فَلَمَّا قلد الْفضل بن سهل أَمر الْمَأْمُون؛ قَصده أَحْمد بن أبي خَالِد، فوصل إِلَيْهِ فِي دَار الْمَأْمُون.
فَلَمَّا فرغ من أَعماله؛ أوصل إِلَيْهِ الْكتاب، فَأنْكر وَجهه، وَسَأَلَهُ عَن صَاحب الْكتاب، فَقَالَ: يقرأه الْأَمِير، أَطَالَ الله بَقَاءَهُ، فَإِنَّهُ سيعرفه.
فَلَمَّا فضه، وَنظر إِلَى الْخط؛ استبشر، ثمَّ استدنى أَحْمد بن أبي خَالِد،