سِنِين، لَا أعرف خبر منزلي، فَلم أَشك أَن الْجَارِيَة قد مَاتَت.
وتراخت السنون حَتَّى حصل لي مَا قِيمَته عشرُون ألف دِينَار.
فَقلت: قد صَارَت لي نعْمَة، فَلَو رجعت إِلَى وطني.
فابتعت بِالْمَالِ كُله، مَتَاعا من خُرَاسَان، وَأَقْبَلت أُرِيد الْعرَاق، من طَرِيق فَارس والأهواز.
فَلَمَّا حصل بَينهمَا؛ خرج على الْقَافِلَة لصوص، فَأخذُوا جَمِيع مَا فِيهَا، ونجوت بثيابي، وعدت فَقِيرا.
وَدخلت الأهواز، فَبَقيت بهَا متحيرا، حَتَّى كشف خبري لبَعض أَهلهَا مِمَّن أعرفهُ، فَأَعْطَانِي مَا تحملت بِهِ إِلَى وَاسِط.
ونفدت نفقتي، فمشيت إِلَى هَذَا الْموضع، وَقد كدت أتلف، فاستغثت بك، ولي مُنْذُ فَارَقت بَغْدَاد، ثَمَان وَعِشْرُونَ سنة.
فعجبت من ذَلِك، وَقلت لَهُ: اذْهَبْ، فاعرف خبر أهلك، وصر إِلَيّ، فَإِنِّي أتقدم بتصريفك فِيمَا يصلح لمثلك، فَشكر، ودعا، ودخلنا بَغْدَاد.
وَمَضَت على ذَلِك مُدَّة طَوِيلَة، أنسيته فِيهَا، فَبينا أَنا يَوْمًا، قد ركبت، أُرِيد دَار الْمَأْمُون، وَإِذا بالشيخ على بَابي، رَاكِبًا بغلا فارها، بمركب محلى ثقيل، وَغُلَام أسود بَين يَدَيْهِ، وَثيَاب حَسَنَة.
فَلَمَّا رَأَيْته رَحبَتْ بِهِ، وَقلت: مَا الْخَبَر؟ فَقَالَ: طَوِيل، وهأنا آتِي إِلَيْك فِي غَد، وأحدثك بالْخبر.
فَلَمَّا كَانَ من الْغَد؛ جَاءَنِي، فَقلت لَهُ: عرفني خبرك، فقد سررت بسلامتك، وبظاهر حالك.
فَقَالَ: إِنِّي صعدت من زلالك، فقصدت دَاري، فَوجدت حائطها الَّذِي يَلِي الطَّرِيق كَمَا خلفته، غير أَن بَاب الدَّار كَانَ مجلوا نظيفا، وَعَلِيهِ دكاكين وبواب وبغال مَعَ شاكرية.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute