فأرشدت الَّذِي طلب الداية إِلَى أم هَذَا، فَحملت إِلَى دَار الرشيد، فحين وضع فَم الصَّبِي على ثديها، قبله، فأرضعته، وَكَانَ الصَّبِي الْمَأْمُون، وَصَارَت عِنْدهم فِي حَال جليلة، وَوصل إِلَيْهَا مِنْهُم خير كثير.
ثمَّ خرج الْمَأْمُون إِلَى خُرَاسَان، وَخرجت هَذِه الْمَرْأَة وَابْنهَا هَذَا مَعهَا، وَلم نَعْرِف أخبارهم إِلَّا مُنْذُ قريب، لما عَاد الْمَأْمُون، وعادت حَاشِيَته، رَأينَا هَذَا قد صَار رجلا، وَلم أكن رَأَيْته قبل قطّ، وَقد كَانَ أبي مَاتَ.
فَقَالُوا: هَذَا ابْن فلَان الصَّيْرَفِي، وَابْن داية الْخَلِيفَة الْمَأْمُون، فَبنى هَذِه الدَّار وسواها.
فَقلت: فعندك علم من أمه أَهِي حَيَّة، أم ميتَة؟ قَالَ: هِيَ حَيَّة، تمْضِي إِلَى دَار الْخَلِيفَة أَيَّامًا، وَتَكون عِنْد ابْنهَا أَيَّامًا هُنَا.
فحمدت الله، تَعَالَى، على هَذِه الْحَال، وَجئْت، حَتَّى دخلت الدَّار مَعَ النَّاس، فَرَأَيْت الصحن فِي نِهَايَة الْعِمَارَة وَالْحسن، وَفِيه مجْلِس كَبِير مفروش بفرش فاخرة، وَفِي صَدره رجل شَاب بَين يَدَيْهِ كتاب وجهابذة، وحساب يَسْتَوْفِيه عَلَيْهِم، وَفِي صفاف الدَّار وَبَعض مجالسها جهابذة، بَين أَيْديهم الْأَمْوَال والتخوت والشواهين، يقبضون ويقبضون.
وبصرت بالفتى، فَرَأَيْت شبهي فِيهِ، فَعلمت أَنه ابْني، فَجَلَست فِي غمار النَّاس، إِلَى أَن لم يبْق فِي الْمجْلس غَيْرِي، فَأقبل عَليّ.
فَقَالَ: يَا شيخ، هَل من حَاجَة تَقُولهَا؟ فَقلت: نعم، وَلكنه أَمر لَا يجوز أَن يسمعهُ غَيْرك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute