فَأَوْمأ إِلَى غلْمَان كَانُوا قيَاما حوله، وَقَالَ: قل، أعزّك الله.
قلت: أَنا أَبوك.
فَلَمَّا سمع ذَلِك تغير وَجهه، ثمَّ وثب مسرعا، وَتَرَكَنِي مَكَاني.
فَلم أشعر إِلَّا بخادم جَاءَنِي، فَقَالَ: قُم يَا سَيِّدي، فَقُمْت أَسِير مَعَه، حَتَّى بلغت ستارة مَنْصُوبَة، فِي دَار لَطِيفَة، وكرسي بَين يَديهَا، والفتى جَالس على كرْسِي آخر.
فَقَالَ: اجْلِسْ، أَيهَا الشَّيْخ.
فَجَلَست على الْكُرْسِيّ، وَدخل الْخَادِم، فَإِذا بحركة خلف الستارة.
فَقلت: أَظُنك تُرِيدُ أَن تختبر صدق مَا قلت لَك من جِهَة فُلَانَة، وَذكرت اسْم جاريتي، أمه.
قَالَ: فَإِذا بالستارة قد كشفت، وَالْجَارِيَة قد خرجت إِلَيّ، فَوَقَعت عَليّ تقبلني وتبكي، وَتقول: مولَايَ، وَالله.
قَالَ: فَرَأَيْت الْفَتى، قد تشوش، وبهت، وتحير.
فَقلت لِلْجَارِيَةِ: وَيحك، مَا خبرك؟ فَقَالَت: دع خبري، فَفِي مشاهدتك مِمَّا تفضل الله، عز وَجل، بذلك كِفَايَة، إِلَى أَن أخْبرك، فَقل مَا كَانَ من خبرك أَنْت؟ فقصصت عَلَيْهَا خبري، مُنْذُ يَوْم خروجي من عِنْدهَا، إِلَى يومي ذَاك، وقصت هِيَ عَليّ قصَّتهَا، مثل مَا قَالَ ابْن الْبَقَّال، وأعجب، وأشرح، وكل ذَلِك بمرأى من الْفَتى ومسمع، فَلَمَّا استوفى الحَدِيث؛ خرج وَتَرَكَنِي فِي مَكَاني.
قَالَ: وَإِذا أَنا بخادم، قَالَ: يَا مولَايَ، يَسْأَلك ولدك أَن تخرج إِلَيْهِ.
قَالَ: فَخرجت إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَآنِي من بعيد؛ قَامَ قَائِما على رجلَيْهِ، وَقَالَ: معذرة إِلَى الله، وَإِلَيْك يَا أَبَة، من تقصيري فِي حَقك، فَإِنَّهُ فجأني من أَمرك، مَا لم أَظن أَنه يكون، والآن فَهَذِهِ النِّعْمَة لَك، وَأَنا ولدك، وأمير الْمُؤمنِينَ مُجْتَهد بِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute