للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مذاهبهم التي ينتحلونها، ووافق آراءهم التي يعتقدونها، وقد اصطلحوا على مواضعة بينهم في قبول الخبر الضعيف والحديث المنقطع إذا كان ذلك قد اشتهر عندهم، وتعاورته الألسن فيما بينهم من غير تثبت فيه أو يقين علم به، فكان ذلك زلة من الراوي أو عيًّا فيه ...» اهـ.

والحق أن الحديث والفقه أخوا صفاء، وقرينا وفاء، ولذلك قال ابن المديني -رحمه الله-: «التفقه في معاني الحديث نصف العلم، ومعرفة الرجال نصف العلم» (١) فهما للعالم كالجناحين للطائر.

قال الشوكاني (٢): «والمتصدر للتصنيف في كتب الفقه -وإن بلغ في إتقانه وإتقان علم الأصول وسائر الفنون الآلية إلى حدٍّ يتقاصر عنه الوصف- إذا لم يتقن علم السنة، ويعرف صحيحه من سقيمه، ويُعوِّل على أهله في إصداره وإيراده، كانت مصنفاته مبنية على غير أساس، لأن علم الفقه هو مأخوذ من علم السنة إلا القليل منه، وهو ما صرَّح بحكمه القرآن الكريم، فما يصنع ذو الفنون بفنونه إذا لم يكن عالمًا بعلم الحديث، متقنًا له، معولاً على المصنفات فيه؟!» اهـ.

ولهذا كان أعدل المذاهب وأقواها في دقائق الفقه ومسائله مذهب المحدثين، لأنهم نهلوا من معين النبوة، واقتبسوا من مشكاة الرسالة، فعليها وردوا، وعنها صدروا (٣).

«وأقبح بمحدِّث يُسأل عن حادثة فلا يدري، وقد شغله عنها جمع طرق الأحاديث، وقبيح بالفقيه أن يقال: ما معنى قول رسول الله كذا، فلا يدري صحة الحديث ولا معناه» (٤).

وقد كان دأب السلف وطريقتهم أن يضموا إلى الرواية الدراية، وإلى الدراية الرواية، وبهذا أوصوا، فعن مصعب الزبيري قال: سمعت مالك بن أنس قال لابني أخته، أبي بكر وإسماعيل ابني أبي أويس: «أراكما تحبان هذا الشأن وتطلبانه


(١) «الجامع لأخلاق الراوي والسامع» للخطيب (٢/ ٢١١).
(٢) «أدب الطلب» (ص ٤٥ - ٤٦).
(٣) «تذكرة الحديثي والمتفقِّه» لصالح العصيمي (ص: ٦).
(٤) «صيد الخاطر» لابن الجوزي (ص: ٣٩٩ - ٤٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>