ويتأيد هذا المذهب كذلك بأن الحكمة من النهي عن الخطبة حصول الكراهية والبغضاء، والثُّلمة في الأخوة، وهذا حاصل بالتقدم للخطبة على خطبة الغير سواء علم الخاطب الثاني بموافقة المخطوبة أو وليها أو لم يعلم، فإذا أذن الأول أو ترك أو رُدَّ من قبل المرأة أو وليِّها، فلا إشكال، ولا حرج حينئذٍ في تقدم الثاني لها، والله أعلم.
إذا خطب على خطبة غيره ثم عقد عليها، فهل يصح؟
تقدم أن خطبة الرجل على خطبة أخيه حرام، فإن عقد عليها الثاني ففي صحة هذا العقد قولان لأهل العلم (١):
الأول: أن هذا العقد فاسد أو باطل، ويُفَرَّق بينهما: وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد وداود، وهو اختيار شيخ الإسلام، قال: وهو الأشبه بما في الكتاب والسنة، والقاعدة عنده: أن كل ما نهى الله عنه وحرَّمه في بعض الأحوال وأباحه في حال أخرى، فإن الحرام لا يكون صحيحًا نافذًا كالحلال يترتب عليه الحكم كما يترتب على الحلال ويحصل به المقصود كما يحصل به.
والنهي يدل على أن المنهي عنه فساده راجح على صلاحه، ولا يُشرع التزام الفساد ممن يُشرع له دفعه.
الثاني: يأثم العاقد، وهو عاص، لكن العقد صحيح: وهو مذهب الجمهور: أبي حنيفة والشافعي والرواية الأخرى عن كل من مالك وأحمد، قالوا: لا ملازمة بين تحريم الخطبة على الخطبة وبين صحة عقد الثاني لأن محل التحريم -وهو الخطبة- متقدم على العقد وخارج عنه، وليست الخطبة جزءًا من العقد، فإن العقد يصح بدونها، كما أن إثم الخاطب على خطبة غيره باق ولو لم يعقد.
قلت: وبقول الجمهور أقول، والله أعلم.
* الخِطبة على خِطبة الكافر:
صورة هذه المسألة: أن يخطب ذمِّيٌّ كتابيةً ويُجاب، ثم يخطبها مسلم، أو أن يكون الخاطب تاركًا للصلاة [عند من يرى كفر تاركها] ونحو ذلك، فللعلماء في حكم الخطبة عليه قولان:
(١) «جواهر الإكليل» (١/ ٢٧٦)، و «بداية المجتهد» (٢)، و «نيل الأوطار» (٦/ ١٢٩)، و «كشاف القناع» (٥/ ١٨)، و «مجموع الفتاوى» (٣٢/ ١٠).