الثالث: تُسترد الهدايا أيًّا كان نوعها، فإن كانت قائمة بذاتها رُدَّ عينها وإن كانت هالكة فتردُّ قيمتها، وهو قول جمهور الشافعية والحنابلة، ومعناه -عندهم فيما يظهر- على أن هذه الهدايا ليست كالهبة، لأن من شرط الهبة -عندهم- أن تكون بغير عوض، والواهب في الخطبة إنما وهب بشرط بقاء العقد، فإذا زال مَلَك الرجوع كالهبة بشرط الثواب، فكأن ما قُبض بسبب النكاح حكمه حكم المهر.
الرابع: إن كان فسخ الخطبة من جانب الخاطب لم يحقَّ له استردادها، وإن كان من جانبها فله استردادها، لأن السبب الذي من أجله الإهداء لم يتم، وبهذا قال الرافعي من الشافعية وابن رشد من المالكية وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أعدل الأقوال في نظري، فإن إيجاب ردِّ الهدايا عند عدول الخاطب يجمع على المخطوبة ألم العدول وألم الاسترداد، وكذلك منع ردِّ الهدايا عند عدول المخطوبة يجمع على الخاطب ألم العدول والغُرم المالي.
قلت: ولو قُيِّد المردود بما كان باقيًا غير مستهلك لكان حسنًا، إذ لا ينبغي أن يطالب أحدهما الآخر بقيمة ما بذله له من المأكولات ونحوها مما هو مشاهد في كثير من الحالات التي يندى لها الجبين.
* حكم تعويض المتضرِّر من العدول عن الخِطبة (١):
يرى بعض المعاصرين أن العدول عن الخطبة يستوجب التعويض المادي -كما هو الحال عند الطوائف النصرانية!! - بينما لم يرتب الفقهاء -قديمًا- على اختلاف مذاهبهم أية آثار مادية تجاه أي طرف يقوم بالعدول عن الخطبة، وهذا هو الصحيح لأمور:
١ - أن القول بالتعويض يعمق المشكلة ويؤصِّلها، ولا يحلها، ثم إن الضرر الذي ينشأ عن الفسخ ناتج عن إعطاء الناس الخطبة فوق ما تستحقه، فالخطبة وعد، والوعد لا يجوز أن يبني عليه الناس من التصرفات ما يعود عليهم بالضرر، وما يفعله الناس من النفقات والمشتريات ونحو ذلك هو من الاستعجال في أمر كان لهم فيه سعة وأناةٌ.
(١) «أحكام الزواج» د. عمر الأشقر (ص: ٧٧ - ٧٨) باختصار وتصرف وانظر المسألة بالتفصيل في «مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق» لأسامة عمر الأشقر (ص: ٤٧ - ٧٧).