إثبات الفراش عند التجاحد، حفظًا لنسب الولد، فيقال: هذا حاصل بإعلان النكاح، ولا يحصل بالإشهاد مع الكتمان مطلقًا.
٥ - واستُدل لهم بإعتاق النبي صلى الله عليه وسلم صفية وزواجه بها بغير شهود، فعن أنس قال: "اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية بسبعة أرؤس، فقال الناس: ما ندري أتزوَّجها رسول الله
صلى الله عليه وسلم أم جعلها أم ولد؟ فلما أراد أن يركب حجبها، فعلموا أنه تزوجها" (١) وأجاب الأولون:
بأن زواجه صلى الله عليه وسلم من غير شهود خصوصية له، فقد أباح الله له الزواج من الواهبة بغير مهر، فلأن يتزوج بغير شهود أصح من باب أولى.
٦ - أن البيوع التي أمر الله فيها بالإشهاد قد قامت الأدلة على أنه ليس من فرائض البيع، فالنكاح الذي لم يذكر الله فيه الإشهاد أحرى أن لا يكون الإشهاد فيه من شروطه.
الثالث: يُشترط الإعلان والإشهاد: وهو الرواية الثالثة عن أحمد.
الرابع: يُشترط أحدهما: وهو الرواية الرابعة عن أحمد وبه قال ابن حزم.
الخامس: لا يشترط الإعلان ولا الإشهاد: وهو قول شاذ منقول عن ابن أبي ليلى وأبي ثور وغيرهما.
قلت: خلاصة ما تقدم أن يقال:
١ - اتفق أهل العلم على بطلان النكاح الذي يتم بغير شهود ولا إعلان (٢).
٢ - واتفقوا على صحة النكاح الذي يشهد عليه رجلان فصاعدًا، ويتم الإعلان عنه (٣).
٣ - اختلفوا في صحة النكاح الذي شهد عليه الشهود ولم يُعلن للناس، وفي الذي أعلن عنه ولم يحضره الشهود، على النحو المتقدم، والأقرب: أن الشرط هو الإعلان إن لم يحضر الشهود، لكن الإشهاد أحوط لما فيه من الحفاظ على حقوق الزوجة والولد، لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه، لاسيما وأن هذه الشهادة تدوَّن في "قسيمة الزواج" ولا تُسجل وتوثَّق -رسميًّا- في هذه الأيام -إلا إذا أُشهد على العقد، ولا يخفى أهمية هذا التوثيق في هذا الزمان الذي خربت فيه الذمم وضعف فيه الإيمان في النفوس.
(١) صحيح: أخرجه البخاري، ومسلم (١٣٦٥).
(٢)، (٢) انظر «مجموع الفتاوى» (٣٢/ ١٣٠)، (٣٣/ ١٥٨).
(٣) «البدائع» (٢/ ٢٥٣)، و «الحاوي» (١١/ ٨٦)، و «المغني» (٩/ ٣٤٩)، و «المحلي» (٩/ ٤٦٥)، وانظر «أحكام الزواج» للأشقر (ص: ١٧٠ - ١٧٣).