للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، ويتنوَّع ذلك بتنوُّع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القويه ليست كخدمة الضعيفة" اهـ.

قلت: وإلى هذا ذهب أبو ثور، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو إسحاق الجوزجاني من الحنابلة، بينما ذهب الجمهور إلى أنه لا يجب على المرأة خدمة زوجها وينبغي على الزوج أن يوفِّر لها من يقوم بخدمة حوائجها (!!) قالوا: لأن المعقود من جهتها الاستمتاع فلا يلزمها غيره (١). قلت: القول بإيجاب إيجاب الخدمة عليها بالمعروف أولى، قال ابن القيم في "الزاد" (٥/ ١٨٧ - ١٨٨): "واحتج من أوجب الخدمة بأن هذا هو المعروف عند من خاطبهم الله سبحانه بكلامه، وأيضًا: فإن المهر في مقابلة البُضْع، وكل من الزوجين يقضي وطره من صاحبه، فإنما أوجب الله سبحانه نفقتها وكسوتها ومسكنها في مقابلة استمتاعه بها وخدمتها، وما جرت به عادة الأزواج.

وأيضًا: فإن العقود المطلقة إنما تُنزَّل على العُرف، والعرف خدمة المرأة، وقيامها بمصالح البيت الداخلية، وقولهم: إن خدمة فاطمة وأسماء كانت تبرُّعًا وإحسانًا يرده أن فاطمة كانت تشتكي ما تلقى من الخدمة، فلم يقل صلى الله عليه وسلم لعليٍّ: لا خدمة عليها وإنما هي عليك، وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابي في الحكم أحدًا، ولما رأى أسماء والعلف على رأسها، والزبير معه، لم يقل: لا خدمة عليها، وإن هذا ظلم لها، بل أقرَّه على استخدامها، وأقرَّ سائر أصحابه على استخدام أزواجهم مع علمه أن منهنَّ الكارهة والراضية، هذا أمر لا ريب فيه". اهـ.

وعلى كلٍّ لا شك أنه من التعاون على البر والتقوى، وهو مأمور به شرعًا. وليس معنى هذا أن لا يقوم الزوج بمساعدة زوجته في بعض ما تقوم به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأنف أن يقوم بذلك:

فعن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله -تعني في خدمتهم- فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة" (٢).

فعلى الزوج أن يراعي ظروف زوجته، فلا يرهقها ويحملها ما لا تستطيع.


(١) «فتح القدير» (٤/ ١٩٩)، و «المبسوط» (٥/ ١٨١)، و «الأم» (٥/ ٨٧)، و «المجموع» (١٨/ ٢٥٦)، و «المغني» (٧/ ٢١)، و «الإقناع» (٤/ ١٣٩).
(٢) صحيح: أخرجه البخاري (٦٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>