الخامس: لا ينقض إلا نوم الراكع والساجد: وعزاه النووي إلى أحمد، ولعل وجهه أن هيئة الركوع والسجود مظنة للانتقاض.
السادس: لا ينقض إلا نوم الساجد وهو مروي عن أحمد كذلك.
السابع: لا ينقض النوم في الصلاة بحال وينقض خارجها: وهو مروي عن أبي حنيفة للحديث الذي تقدم في القول الرابع.
الثامن: لا ينقض إذا نام جالسًا ممكِّنًا مقعدته من الأرض سواء في الصلاة أو خارجها، قل أو كثر:
وهو مذهب الشافعي، لأن النوم عنده ليس حدثًا في نفسه وإنما هو مظنة الحدث، قال الشافعي:«لأن النائم جالسًا يكل للأرض فلا يكاد يخرج منه شيء إلا انتبه له» اهـ. فاختاره الشوكاني، قلت: والقائلون بهذا القول حملوا حديث أنس في نوم الصحابة على أنهم كانوا جلوسًا، وقد ردَّه الحافظ في «الفتح»(١/ ٢٥١) بقوله: «لكن في مسند البزار بإسناد صحيح في هذا الحديث: فيضعون جنوبهم، فمنهم من ينام، ثم يقومون إلى الصلاة»(١) اهـ.
الراجح: أن النوم المستغرق الذي ليس معه إدراك، بحيث لا يشعر صاحبه بالأصوات، أو بسقوط شيء من يديه، أو سيلان ريقه ونحو ذلك، فغنه ناقض للوضوء، لأنه مظنة للحدث، سواء كان قائمًا أو قاعدًا أو مضطجعًا أو راكعًا أو ساجدًا، لا فرق بين شيء من هذا، فإن كان أصحاب القول الأول يعنون بالنوم هذا النوع فنحن معهم، وإلا فالنوم اليسير وهو النعاس الذي يشعر الإنسان بما تقدم، لا ينقض على أي حال كان، لحديث نوم الصحابة حتى تخفق رءوسهم وحديث ابن عباس في صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا تجتمع الأدلة كلها الواردة في الباب، ولله الحمد والمنة.
فائدة: لما كان النوم مظنة الحدث الموجب للوضوء، وكُلَ انتقاضه إلى المتوضئ بحسب حالته في النوم، وما يغلب على ظنِّه، فإذا شَك: هل نومه مما ينقض أو ليس ينقض؟ فالأظهر أن لا يحكم بنقض الوضوء، لأن الطهارة ثابتة بيقين، فلا تزول بالشك وهذا اختيار شيخ الإسلام في «الفتاوى»(٢١/ ٢٣٠).
(١) إسناد صحيح: أخرجه البزار ونحوه أخرجه أبو داود في «مسائل أحمد» (ص ٣١٨)، وإسناده صحيح على شرط الشيخين وانظر «تمام المنة» (ص ١٠٠).