للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول: أنت طالق [وهو غير هازل، فالهازل قاصد للفظ الطلاق وإن كان غير قاصد للفرقة وطلاقه صحيح كما سيأتي] فهذا المخطئ اختلف أهل العلم في صحة طلاقه:

فذهب الجمهور إلى أن طلاقه لا يقع قضاءً وديانة (١)، إذا ثبت خطؤه بالقرائن، فإذا لم يثبت خطؤه وقع الطلاق قضاءً، ولم يقع ديانة، لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" (٢).

ولا يقاس المخطئ على الهازل، لأن وقوع طلاق الهازل جاء للنص على خلاف القياس كما سيأتي في موضعه، ولأن الهازل قصد اللفظ فاستحق العقوبة بخلاف المخطئ.

وعند الحنفية يقع طلاقه قضاءً سواء ثبت خطؤه أم لا، ولا يقع ديانةً، وذلك لخطورة محل الطلاق وهو المرأة، ولأن في عدم إيقاعه فتح باب الادِّعاء بذلك بغير حق للتخلص من وقوع الطلاق، وهو ذريعة يجب سدُّها.

(ب) طلاق المُكره:

ذهب جمهور العلماء، منهم: مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وطائفة من السلف، وهو مروي عن عمر وعلي وابن عباس وابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم ذهبوا إلى عدم وقوع طلاق المكره (٣) بغير حق، وهو اختيار شيخ الإسلام، وحجتهم ما يلي:

١ - قوله تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} (٤).

فلما وضع الله عن المكره على الكفر حكم الكفر، سقطت أحكام الإكراه عن القول كلِّه، لأن الأعظم إذا سقط عن الناس، سقط ما هو أصغر منه (٥).


(١) وقوعه ديانةً أي: فيما بينه وبين الله تعالى، وقضاءً أي إذا رفع إلى القاضي فيحكم به.
(٢) صححه الألباني: أخرجه ابن ماجة (٢٠٤٥) وغيره وأعلُّه أبو حاتم كما في «العلل» (١/ ٤٣١) فليحرر.
(٣) «الكافي» لابن عبد البر (٢/ ٥٧١)، و «بداية المجتهد» (٢/ ١٣٧)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٢٨٩)، و «حاشية الجمل» (٤/ ٣٢٣)، و «المغني» (٧/ ١١٨)، و «الإنصاف» (٨/ ٤٣٩)، و «المحلي» (١/ ٢٠٢).
(٤) سورة النحل: ١٠٦.
(٥) نقل البيهقي في «السنن الكبرى» (٧/ ٣٥٦) نحوه عن الشافعي - رحمه الله -.

<<  <  ج: ص:  >  >>