للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينبغي أن يُعلم أن "تقسيم الألفاظ إلى صريح وكناية وإن كان تقسيمًا صحيحًا في أصل الوضع، لكن يختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة، فليس حكمًا ثابتًا للفظ لذاته، فرُبَّ لفظ صريح عند قوم كناية عند آخرين، أو صريح في زمان أو مكان كناية في غير ذلك الزمان والمكان، والواقع شاهد بذلك، فهذا لفظ السَّراح لا يكاد أحد يستعمله في الطلاق لا صريحًا ولا كناية، فلا يسوغ أن يقال: من تكلم به لزمه طلاق امرأته، نواه أو لم ينوه!!، ويدعي أنه ثبت له عرف الشرع والاستعمال، فإن هذه دعوى باطلة شرعًا واستعمالًا، أما الاستعمال فلا يكاد أحد يطلق به ألبتة، وأما الشرع فقد استعمله في غير الطلاق ... " اهـ (١).

* ولا تشترط النية في وقوع الطلاق الصريح:

وكذلك إذا صرَّح بالطلاق ولو نوى نية مناقضة، فإنه يقع قضاءً، فلو أطلق اللفظ الصريح ثم قال: لم أنو به شيئًا، وقع الطلاق، ولو قال: نويت غير الطلاق، لم يصدق قضاءً، وصُدِّق ديانة، هذا إذا لم تَحُفَّ باللفظ من قرائن الحال ما يدل على صدق نيته في إرادة غير الطلاق، فإن وُجدت قرينة تدل على عدم قصده الطلاق صدق قضاءً أيضًا، ولم يقع به عليه طلاق، كالمكره والمخطئ على ما تقدم.

وعلى هذا فيشترط -فقط- لمن أطلق اللفظ الصريح أن يفهم معناه ويختاره، لا أن ينوي إيقاعه فهذا لا يشترط في اللفظ الصريح.

٢ - وأما الكناية: وهو اللفظ الذي لم يوضع للطلاق خاصة، وإنما احتمله وغيره، فإذا لم يحتمله أصلًا لم يكن كناية، وكان لغوًا، ولم يقع به شيء (٢).

ومثال اللفظ الكنائي، أن يقول الرجل: (سرحتُك-أنت مسرَّحة-فارقتك- أنت مفارقة).

وكأن يقول: (اعتدِّى-واستبرئي رحمك- الحقي بأهلك- أنت خليَّة- أنت مُطْلَقة- بغير تشديد-ونحو ذلك) عند بعض العلماء (٣).


(١) «زاد المعاد» (٥/ ٣٢١ - ٣٢٢).
(٢) «المغني» لابن قدامة (٧/ ٣٢٩).
(٣) وقد ذهب أبو محمد بن حزم - رحمه الله - في «المحلي» (١٠/ ١٨٥ - ١٩٦) إلى أن الطلاق لا يقع بحال إلا إذا كان بأحد الألفاظ الثلاثة الواردة في كتاب الله. (الطلاق - الفراق - السراح) وما عداها فلا يقع به طلاق البتة سواء نوى الطلاق أو لم ينوه، وقد ذكر الألفاظ الأخرى ثم قال: «وهذه الألفاظ جاءت فيها آثار مختلفة الفتيا عن نفر من الصحابة - رضي الله عنهم -، ولم يأت فيها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء أصلًا، ولا حجة في كلام غيره - عليه الصلاة والسلام - لاسيما في أقوال مختلفة ليس بعضها أولى من بعض ...» اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>