(٢) اختلف العلماء في قوله (الحقي بأهلك) هل هو من ألفاظ الطلاق يقع به الطلاق أصلًا أو لا؟ والذي يظهر أنه لا يقع به طلاق، وأما حديث عائشة: أنَّ ابنة الجون لما أُدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودنا منها، قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها: «لقد عُذت بمعاذ، الحقي بأهلك» فليس فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عقد عليها، ويؤيده أنه في بعض طُرق البخاري (٥٢٥٧) أنه - صلى الله عليه وسلم - لما دخل عليها قال: «هبي نفسك لي ...». ورواية عند البخاري (٥٦٣٧)، ومسلم (٢٠٠٧) أنها لما قالت: «أعوذ بالله منك، قال: «قد أعذتك مني» فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ فقالت: لا، قالوا: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء ليخطبك ... الحديث» ففيهما أنه لم يكن عقد عليها. ويؤيد هذا أيضًا ما في البخاري (٤٤١٨)، ومسلم (٢٧٦٩) في قصة كعب بن مالك وصاحبيه: «... فقال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها؟ أو ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها ولا تقربها ... فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر» وهو صريح في أن هذا اللفظ لا يعد طلاقًا، لكن قد جاء في قصة إسماعيل - عليه السلام - مع زوجته لما أخبرته بمجيء الشيخ وطلبه منه أن يغيِّر عتبة بابه، فقال إسماعيل - عليه السلام -: «ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك، فطلَّقها ...» الحديث رواه البخاري (٣٣٦٤)، فلو قيل: هو من الألفاظ الكنائية في الطلاق التي يقع بها إذا وجدت النية، لأجل هذا الحديث، فليس هذا ببعيد كذلك، والله تعالى أعلم. (٣) صحيح: أخرجه البخاري (٥٢٦٩)، ومسلم (١٢٧).