للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدلَّ على أن السنة الإشهاد، لكن لا يخفى أنه لا يدل على الوجوب، لتردد كونه من سنته - صلى الله عليه وسلم - بين الإيجاب والندب.

قلت: لو قيل بوجوب الإشهاد على الطلاق وتوثيقه لم يكن هذا بعيدًا، بل ربما يتعيَّن ذلك لاسيما في هذا الزمان الذي خربت فيه الذمم، ورقَّ منه الدين، منعًا للتجاحد، وحسمًا لمادة الخلاف والنزاع، وما نسمع به ونراه مما تعج به محاكم الأحوال الشخصية من القضايا والحوادث الناجمة عن عدم توثيق الطلاق والإشهاد عليه، ليحملنا على القول بوجوبه وإثم تاركه. على أنه ينبغي التنبيه على أن هذا الإشهاد ليست شرطًا في صحة الطلاق وإنما قد يأثم تاركه، والله تعالى أعلم بالصواب.

فائدة: إذا ادَّعت المرأة الطلاق على زوجها وأنكر الزوج (١): ههنا حالات:

١ - إذا لم يكن معها شاهد، لم تقبل دعواها، ولا يحلَّف الرجل بدعواها.

٢ - إذا أقامت شاهدي عدل على طلاقها، قضي لها بذلك.

٣ - إذا أقامت على الطلاق شاهدًا واحدًا، لم يكفها، ولا يؤخذ بيمينها مع الشاهد؛ لأن الشاهد واليمين إنما يكون في الأموال خاصة، فلا يثبت الطلاق بذلك، وهل يُحلَّف الزوج؟ فيه قولان:

فذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن أحمد إلى أنه يُحلَّف، فإنه حلف برئ من دعواها.

وإن نَكَل (رفض الحلف) فهل يُقضى عليه بطلاق زوجته زوجته بالنكول مع شاهدها؟ فيه روايتان عن مالك، أصحهما أنه يُحكم في الطلاق بشاهد ونكول المدَّعى عليه، ويؤيده حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا ادَّعت المرأة طلاق زوجها، فجاءت

على ذلك بشاهد واحد عدل، استُحلف زوجُها، فإن حلف بطلت عنه شهادة الشاهد، وإن نَكَل فنُكُوله بمنزلة شاهد آخر، وجاز طلاقه» (٢).

فدلَّ على أن النكول بمنزلة البيِّنة، فلما أقامت شاهدًا واحدًا - وهو شطر البيِّنة - كان النكول قائمًا مقام تمامها، والله أعلم.


(١) «زاد المعاد» لابن القيم (٥/ ٢٨٢ - ٢٨٥) باختصار.
(٢) أخرجه ابن ماجة (٢٠٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>