للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي لفظ عن طاووس أن أبا الصهباء قال لابن عباس: هات من هناتك (١)، ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر واحدة؟ فقال: «قد كان ذلك، فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم» (٢).

وقد اعتُرض على الحديث بأمور منها:

الأول: الطعن في ثبوت الحديث: فادعى بعضهم شذوذ رواية طاووس، باعتبار تكاثر الروايات - الموقوفة (!!) - على ابن عباس بلزوم الثلاث، قالوا: ولا يُظن بابن عباس أنه يحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا ويفتى بخلافه، فيتعيَّن المصير إلى الترجيح، والأخذ بقول الأكثر أولى من الأخذ بقول الواحد إذا خالفهم.

وأُجيب: بأن الأئمة الأثبات - كعمرو بن جريج - رووه عن ابن طاووس - وهو إمام - عن طاووس عن ابن عباس، ورواه إبراهيم بن ميسرة - وهو ثقة حافظ - عن ابن عباس، وانفراد الصحابي لا يضر ولو لم يرو عنه أصلًا إلا واحد، ثم إن العبرة برواية الصحابي لا برأيه.

وعكَّر بعضهم: بأن الدواعي إلى نقل ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون من بعده متوفرة لاسيما وقد غيَّر ذلك عمر ولم ينكر أحد من الصحابة، فكون ذلك لم ينقل منه حرف عن غير ابن عباس يدل دلالة واضحة على أحد أمرين: إما أن يكون الذي رواه طاووس عن ابن عباس ليس معناه أن الثلاث بلفظ واحد، وإنما ثلاثة ألفاظ في وقت واحد - وبهذا جزم النسائي وصححه النووي والقرطبي - فلا يكون هناك إشكال في تغيير عمر.

وإما أن يكون الحديث غير محكوم بصحته لنقله آحاد مع توفُّر الدواعي إلى نقله (٣)، قال العلامة الشنقيطي - رحمه الله -: «والأول أولى وأخف من الثنائي» اهـ.

قلت: (أبو مالك): أما الثاني فلا ينبغي أن يُضعَّف الحديث به لا سيما مع رواية الثقات الأثبات له وعدم صراحة ما يعارضه، وأما الأول فمحتمل، قال العلامة أبو الأشبال - رحمه الله: «والذي نراه أن قول القائل: (أنت طالق ثلاثًا) لا يخرج عن أنه نطق بالطلاق مرة واحدة وأنه لا يصلح أن يكون موضع خلاف بين الصحابة أو غيرهم، وإنما الذي اختلفوا فيه وأمضاه عمر بن الخطاب، هو ما إذا قال لامرأته


(١) هناتك أي: أخبارك وأمورك.
(٢) صحيح: أخرجه مسلم (١٤٧٢).
(٣) «أضواء البيان» للشنقيطي (١/ ٢٥٤ - ٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>