للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عباس: أما علمتَ أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثًا [قبل أن يدخل بها] جعلوها واحدة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدر من إمارة عمر؟ قال: «بلى» (١).

وأيَّدوا هذا بأن غير المدخول بها إذا قال لها زوجها: (أنت طالق) فقد بانت منه فإذا أضاف كلمة (ثلاثًا) لغا العدد لوقوعه بعد البينونة.

وأُجيب عنه: بأن زيادة [قبل أن يدخل بها] منكرة لا تصح، وعلى فرض ثبوتها فإنها لا تمنع صدق رواية مسلم لحديث ابن عباس على المطلقة بعد الدخول، لأن غاية ما في رواية أبي داود - إن صحت - أنه وقع فيها التنصيص على بعض أفراد العام في رواية مسلم، وهذا لا يوجب تخصيصها بها كما هو مقرر في الأصول (٢).

ثم يرد على ما قالوه: أن قول الرجل لزوجته غير المدخول بها: (أنت طالق ثلاثًا) كلام متصل غير منفصل، فكيف يصح جعله كلمتين وإعطاء كل كلمة حكمًا؟!.

الاعتراض الرابع: حمل حديث ابن عباس على صورة خاصة: وهي قول المُطلِّق: (أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق) وأن قائل هذا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لا استئناف الطلاق وتعدده فلم يريدوا تأسيس طلاق ثان وثالث، وكانوا لسلامة صدورهم - يصدَّقون بدعواهم، فلما كثر الناس في زمن عمر وكثر فيهم الخداع (!!) ونحوه مما يمنع قبول من ادعى التأكيد، حمل عمر اللفظ على ظاهر التكرار فأمضاه عليهم.

وأُجيب عنه: بأنه لو كان الحديث محمولًا على ما ذكروه لظلَّ الحكم بدون تغيير؛ لأن المدار إذا كان على قصد التأكيد فتقع الثلاث واحدة، وإن كان على قصد التأسيس فتقع ثلاثًا، فإن الحكم يترك لنية المطلق وينبغي تصديقه، سواء كان برًّا أو فاجرًا؛ لأن الطلاق حقه، واللفظ يحتمل التأكيد والتأسيس، والسبيل لحمل


(١) منكر: وانظر «السلسة الضعيفة» للعلامة الألباني - رحمه الله - (١١٣٣).
(٢) قلت: على أنه قد يقال: إن هذا ليس من باب العام والخصوص، وإنما هو من باب المطلق والمقيَّد، والمقرر في الأصول أن المطلق يحمل على المقيَّد لاسيما إن اتحد الحكم والسبب، كما هنا، وعلى كلٍّ فالزيادة لا تثبت، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>