للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللفظ على أحدهما ما نواه، ونيَّته تعرف عن طريقه وما يدَّعيه، وإن كان ادعاء التأكيد لا يقبل في أحكام الدنيا، فإنه لا يقبل من البر كما لا يُقبل من الفاجر.

ثم إنه لا وجه مقبول للقول بأن الخداع كثر في الناس في زمان عمر؛ لأن الناس في زمنه هم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في غالبيتهم العظمى، ومن وُجد فيهم من التابعين فهم تلامذتهم، وزمان عمر هو خير الأزمان بعد زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزمن أبي بكر فكيف يصح القول بكثرة الخداع فيهم؟ غاية ما في الأمر أنه أسلوب لإيقاع الطلاق - قد يقع من البعض، خلافًا للأسلوب الشرعي لأنهم غير معصومين، وهذا لا يقدح في عدالتهم ولا يعني الخداع منهم.

الاعتراض الخامس: حمل حديث ابن عباس على تغيُّر عادات الناس: فقالوا: الطلاق الذي يوقعه الناس في زمن عمر بصيغة الثلاث، كانوا يوقعونه قبل ذلك واحدة بقول المطلق (أنت طالق) لأنهم ما كانوا يستعملون الثلاث أصلًا أو كانوا يستعملونه نادرًا، فلما كثر استعمالهم للفظ الثلاث في زمن عمر أمضاه عليهم وأجازه، فلم يفعل عمر أكثر من تنفيذه حكم الثلاث عليهم وهو حكم مقرر شرعًا له، وعليه يكون حديث ابن عباس واردًا لبيان اختلاف عادات الناس في كيفية أو صيغة الطلاق، وليس في وقوعه حسب الكيفية.

وأجيب عنه: بأن الناس ما زالوا يطلقون واحدة أو ثلاثًا، وقد طلق رجال نساءهم على عهد رسول الله ثلاثًا، فمنهم من ردَّها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى واحدة، ومنهم من أنكر عليه وغضب عليه لإيقاعه الطلاق ثلاثًا وجعله متلاعبًا بكتاب الله ولم يعرف ما حكم به عليه (١).

ثم إن قول عمر: «فلو أمضيناه عليهم» يدلُّ على أن الطلاق الثلاث في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر لم يُعتبر وقوعه ثلاثًا - رغم استعماله - حتى رأى عمر ذلك.

٣ - (من أدلة التابعين) أمثل طرق حديث ابن عباس - في قصة ركانة - قال: طلَّق ركانة بن يزيد أخو بني مطلب امرأته ثلاثًا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنًا شديدًا، قال: فسأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف طلَّقتها؟» قال: طلَّقتها ثلاثًا، قال: فقال: «في مجلس واحد؟» قال: نعم، قال: «فإنما تلك واحدة فأرجعها إن شئت» (٢).


(١) ستأتي هذه الأحاديث عقبه، وهي ضعيفة.
(٢) ضعيف: وقد تقدم الكلام عليه في أدلة الفريق الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>