للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رواه أكثر الرواة عن ابن عمر أنه يمكث حتى تطهر ثم يكون له أن يطلقها، ومن ذلك ما رواه يونس بن جبير عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أمره أن يراجعها فإذا طهرت فأراد أن يُطلقها فليطلقها ...» (١).

ولذا اختلف أهل العلم في الانتظار للطهر الثاني (٢) فذهب مالك - وهو أصح الوجهين عند الشافعية والأرجح عند الحنفية - والحنابلة في ظاهر المذهب - إلى وجوب ذلك وتحريم تطليقها الذي يعقب الحيضة التي طلقها فيها وهو اختيار شيخ الإسلام.

واستندوا للرواية الأولى.

بينما ذهب أحمد في رواية - ونسبه الصنعاني إلى أبي حنيفة - إلى أن الانتظار للطهر الثاني مستحب وليس بواجب، واستندوا للرواية الثانية. قلت: الرواية الأولى يرويها أثبت الناس في ابن عمر، والثانية يرويها الأكثرون، فيصعب ترجيح إحداهما، فالأَوْلى أن يجمع بينهما بما ذكره ابن قدامة في المغني من أنه: «إن راجعها وجب إمساكها حتى تطهر، واستحب إمساكها حتى تحيض حيضة أخرى ثم تطهر». اهـ، ثم إن هذا القول يتأيَّد بحديث ابن عمر: «مرة فليراجعها، ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملًا» (٣).

وليس فيه التقييد بالانتظار للطهر الثاني، ثم لأن التحريم إنما كان لأجل الحيض، فإذا طهرت زال فوجب التحريم فجاز طلاقها في هذا الطهر كما يجوز في الذي بعده وكما يجوز في الطهر الذي لم تقدمه طلاق في الحيض والله أعلم.

فائدة: وجه استحباب الانتظار للطهر الثاني: أنه إذا أمسكها إلى الطهر الثاني، فإن مقامها معه سيطول، وقد يجامعها في هذه الفترة، فيذهب ما في نفسه من سبب طلاقها، فيُقلع عن رغبته في طلاقها ويستقر على إرادة إمساكها.


(١) صحيح: أخرجه البخاري (٥٢٥٨)، ومسلم (١٤٧١).
(٢) «ابن عابدين» (٣/ ٢٣٠)، و «المدونة» (٢/ ٧٠)، و «فتح الباري» (٩/ ٣٤٩ - المعرفة)، و «سبل السلام» (ص ١٠٧٨)، و «المغني» (٧/ ١٠١)، و «كشاف القناع» (٣/ ١٤٣)، و «جامع أحكام النساء» (٤/ ٣١ - ٣٢).
(٣) صحيح: أخرجه مسلم (١٤٧١)، وأبو داود (٢١٨١)، والترمذي (١١٧٦)، والنسائي (٦/ ١٤١) وابن ماجة (٢٠٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>