للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجاب الحافظ عن الاعتراض فقال: وإذا أخبر ابن عمر أن الذي وقع منه حُسبت عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذي حسبها عليه غير النبي - صلى الله عليه وسلم - بعيدًا جدًّا، مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك، وكيف يُتخِيَّل أن ابن عمر يفعل في القصة شيئًا برأيه، وهو ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تغيَّظ من صنيعه، كيف لم يشاوره فيما يفعل في القصة المذكورة؟! اهـ (١).

قلت: وهذا الذي ذكره الحافظ يتأيد في الحديث الآتي:

٥ - عن نافع عن ابن عمر: «أنه طلق امرأته وهي حائض، فأتى عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له فجعلها واحدة» (٢) وهو نصٌ في موضع النزاع فيجب المصير إليه ثم يتأيد كله بفتوى ابن عمر في هذه المسألة:

٦ - فعن نافع قال: «... فكان ابن عمر إذا سئل عن الرجل يطلق امرأته وهي حائض يقول: «أنا أنت طلقتها واحدة أو اثنتين، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يراجعها ثم يمهلها حتى تحيض حيضة أخرى، ثم يمهلها حتى تطهر، ثم يطلقها قبل أن يمسَّها، وأما أنت طلَّقتها ثلاثًا فقد عصيب ربَّك فيما أمرك به من طلاق امرأتك، وبانت منك» (٣).

٧ - ولأنَّه طلاق من مكلَّف في محل الطلاق فوقع، كطلاق الحامل.

٨ - ولأن الطلاق ليس مما يتقرب به إلى الله تعالى فيُعتبر لوقوعه موافقة السنة، وإنما هو زوال عصمة فها حق لآدمي، فكيفما أوقعه وقع، فإن أوقعته لسنة هُدِىَ ولم يأثم، وإن أوقعه على غير ذلك أثم ولزم ذلك، ومحال أن يلزم المطيع ولا يلزم العاصي (٤).

القول الثاني: أن الطلاق في الحيض لا يقع ولا يُحسب: وهو قول طاووس وعكرمة وخلاس بن عمرو، ومحمد بن إسحاق وأهل الظاهر: داود وابن حزم، وهو مذهب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم (٥)، وحجة هذا القول:

١ - حديث أبي الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل ابن


(١) «فتح الباري» (٩/ ٢٦٦ - سلفية).
(٢) صحيح: أخرجه الطيالسي (٦٨)، والدارقطني (٤/ ٩)، والبيهقي (٧/ ٣٢٦).
(٣) صحيح: أخرجه مسلم (١٤٧١)، والنسائي (٦/ ٢١٣).
(٤) «التمهيد» (١٥/ ٥٩)، و «المغني» (٧/ ٣٦٦) بنحوه.
(٥) «الإنصاف» (٨/ ٤٤٨)، و «مجموع الفتاوى» (٣٣/ ٦٦) ومواضع، و «الزاد» (٥/ ٢١٨ - وما بعدها).

<<  <  ج: ص:  >  >>