للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - أن القول الأول مبناه على أن الفيئة في مدة الأربعة أشهر - وهو مذهب أبي حنيفة خلافًا للجمهور - وظاهر الآية خلافه، فإن الله تعالى قال: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا} (١). فعقَّب الفيء عقيب التربص بفاء التعقيب، وهذا يدل على تأخرها عنها.

٤ - ولأن الضرر لا يتحقق بترك الوطء فيما دون أربعة أشهر، ويدلُّ عليه: أن عمر سأل النساء «كم تصبر المرأة عن زوجها؟» فقلن: لا يزيد عن أربعة أشهر، فكتب عمر إلى أمراء الأجناد «أن لا تحبسوا الرجل عن امرأته أكثر من أربعة أشهر» (٢).

الثالث: إذا حلف على أيَّة مدة قلَّت أو كثرت يكون إيلاءً: وهو قول النخعي وقتادة وحماد وابن أبي ليلة وإسحاق، وابن حزم، وحجتهم:

١ - أن المدة المذكورة في قوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} (٣). هي المحدَّدة للموُلى، فإن فاء بعدها وإلا طلق حتمًا، وليست بيانًا للمدة التي لا يصح الإيلاء بدونها.

٢ - وأما المدة التي يحلف عليها فهذه مطلقة في الآية.

٣ - القياس على من حلف على أكثر من أربعة أشهر أن لا يقرب زوجته، فإنه يكون موليًا، لأنه قصد الإضرار باليمين أي بإيلائه من زوجته، وهذا المعنى موجود في المدة القصيرة.

قلت: وهذا الأخير أقرب، وقد يتأيَّد بحديث أنس: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - آلى من نسائه شهرًا» (٤)، وعليه فإن من حلف أن لا يطأ زوجته مدة لا يخلو من أحد حالين (٥):

١ - أن تكون هذه المدة أقل من أربعة أشهر: فالأفضل له أن يرجع عن يمينه ويجامعها ويكفِّر عن يمينه (٦)، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفِّر عن يمينه» (٧).


(١) سورة البقرة: ٢٢٦.
(٢) أخرجه سعيد بن منصور (٢/ ١٧٤)، والبيهقي (٩/ ٢٩).
(٣) سورة البقرة: ٢٢٦.
(٤) صحيح: تقدم قريبًا.
(٥) من كتابي «فقه السنة للنساء» (ص: ٤٧٠، ٤٧١).
(٦) وعلى القول بالكفارة أكثر أهل العلم، انظر «ابن عابدين» (٣/ ٤٢٧)، و «الأم» (٥/ ٢٤٨)، و «جواهر الإكليل» (١/ ٣٦٨).
(٧) صحيح: أخرجه مسلم (١٦٥٠) وغيره وقد تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>