للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حزم أنه لا حرج في وطئها قبل إخراج الكفارة بالإطعام، قالوا: لأن الله تعالى اشترط في الآية تقديم الكفارة على المماسَّة في العتق والصيام، ولم يشترطه في الكفارة بالإطعام.

وذهب أكثر أهل العلم منهم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في المشهور من المذهب إلى أنه يحرم عليه الوطء قبل التكفير حتى ولو بالإطعام، وحجتهم:

١ - ما جاء عن ابن عباس: «أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -فقال: إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفِّر؟ فقال: «ما حملك على ذلك يرحمك الله؟» قال: رأيت خلخالها في ضوء القمر، قال: «فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به» (١).

قالوا: وما أمره الله به هو أداء الكفارة سواء كانت بالعتق أو بالصوم أو بالإطعام، فلم يخُصَّ نوعًا معينًا من أنواع الكفارات، فعُلم أنه لا يجوز الوطء قبل أي نوع منها.

٢ - وردوا على دليل الأولين: بأن ترك النصِّ على الكفارة بالإطعام قبل المسيس، لا يمنع قياسها على المنصوص الذي في معناها.

قلت: الحديث الذي استدل به الجمهور لا يثبت، ودلالة الآية على القول الأول قوية، إذ أن النص على الكفارة قبل المسيس في موضعين دون الثالث يمنع تقبُّل قياسه عليهما، والله أعلم.

[٢] هل يحرمُ الاستمتاع دون الوطء قبل الكفارة؟ فيه قولان (٢):

١ - فذهب أبو حنيفة ومالك وأحد قولي الشافعي ورواية في مذهب أحمد: إلى أنه لا يجوز، لقوله تعالى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} (٣). فإنه أمر المظاهر بالكفارة قبل التماس، والتماس يصدق على المس باليد وغيرها كما يصدق على الوطء، والوطء قبل التكفير حرام بالاتفاق، فكان ما دونه من دواعيه مثله، ومتى كان الوطء حرامًا كانت الدواعي إليه مثله لأن «ما أدى إلى الحرام حرام».


(١) أُعل بالإرسال: أخرجه أبو داود (٢٢٢٣)، والترمذي (١١٩٩)، والنسائي (٦/ ١٦٧) وأعله أبو حاتم والنسائي بالإرسال.
(٢) «البدائع» (٣/ ٢٣٤)، و «الدسوقي» (٢/ ٤٤٥)، و «مغنى المحتاج» (٣/ ٣٥٧)، و «المغنى» (٧/ ٣٤٨).
(٣) سورة المجادلة: ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>