للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٥ - وعن عمر بن الخطاب أنه قال: «لأن أعطِّل الحدود بالشبهات أحب إليَّ من أن أقيمها في الشبهات» (١).

وأما أبو محمد بن حزم فضعَّف حديثي أبي هريرة وعائشة -؟؟ كذلك - وقال: «إن لم يثبت الحد لم يحلَّ أن يُقام بشبهة، وإذا ثبت الحدُّ لم يحلَّ أن يُدرأ بشبهة» (!!)» اهـ.

قلت: نعم، الحديثان ضعيفان من جهة السند، إلا أن معناهما يتفق مع قواعد الشرع التي تقضي بأن لا يقام حدٌّ إلا بعد اليقين، رحمة بالإنسان ودفعًا لإلحاق الضرر به بظنٍّ مجرَّد، ولذا تلقت الأمة هذا الحكم بالقبول، وعمل له أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، على أن في حديث ابن عباس المتقدم أن الحدَّ لا يقام إلا ببينة، والله أعلم.

أثر التوبة في الحدود (٢):

أثر التوبة في الحدود درءًا وإيجابًا يكون على حالتين:

الأولى: أن تكون توبته بعد القدرة عليه: فهذه التوبة لا تُسقط الحدَّ بالاتفاق.

الثانية: أن تكون توبته قبل القدرة عليه: فأثر التوبة في سقوط الجريمة الحدِّية في هذه الحالة ينقسم إلى قسمين: محلُّ اتفاق، ومحل اختلاف.

(أ) محلُّ الاتفاق:

لا خلاف بين الفقهاء في أن حدَّ قطاع الطريق (حدّ الحرابة) والرِّدَّة يسقطان بالتوبة إذا تحققت توبة القاطع قبل القدرة عليه، وكذلك حدُّ ترك الصلاة - عند

من اعتبره حدًا، لقوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفقوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم} (٣).


(١) رجاله ثقات: أخرجه ابن أبي شيبة (٥/ ٥١١)، ورجاله ثقات لكنه منقطع، لكن قال السخاوي: «وكذا أخرجه ابن حزم في «الإيصال» له بسند صحيح» اهـ، وانظر «الإرواء» (٧/ ٣٤٥).
(٢) «ابن عابدين» (٣/ ١٤٠)، و «الشرح الصغير» (٤/ ٤٨٩)، و «روضة الطالبين» (١٠/ ٩٧)، و «المغني» (٨/ ٢٩٦)، و «الحدود والتعزيرات» (٧١ - وما بعدها).
(٣) سورة المائدة: ٣٣، ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>