للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التلف بسبب الحدود (١):

لا خلاف بين الفقهاء في أن الحدود إذا أُتي بها على الوجه المشروع من غير زيادة، أنه لا يضمن من تلف بها، وذلك لأنه فعلها بأمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فلا يؤاخذ به، ولأنه نائب عن الله تعالى، ومأمور بإقامة الحد، وفعل المأمور لا يتقيَّد بشرط السلامة، وإن زاد على الحد فتلف وجب الضمان بغير خلاف.

الحدود كفارات للذنوب:

ذهب الجمهور - خلافًا للحنفية - إلى أن الحدَّ المقدَّر في ذنب كفارة لذلك الذنب، ويدلُّ على هذا حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجلس، فقال: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، وقرأ هذه الآية كلها -، فمن وفَّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به فهو كفارته، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله عليه فهو إلى الله، إن شاء غفر له، وإن شاء عاقبه» (٢).

وقال الحنفية: الحد غير مُطهِّر، بل المطهر التوبة، فإذا حُدَّ ولم يتب يبقى عليه إثم المعصية - عندهم - كما قال تعالى في حدِّ قطاع الطريق: {ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم} (٣).

استحباب الستر على المسلم:

من عايَنَ ارتكاب مسلم لجريمة حدِّية، فهو مخيِّر بين أداء الشهادة حسبةً لله تعالى القائل {وأقيموا الشهادة لله} (٤). وبين الستر على أخيه المسلم، وهو الأولى، لاسيما على من كان ظاهره الستر ولم يكن مجاهرًا بمعصيته، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة» (٥).

ويستحب كذلك أن يستر العبد على نفسه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله


(١) «ابن عابدين» (٣/ ١٨٩)، و «مواهب الجليل» (٦/ ٣٢١)، و «روضة الطالبين» (١٠/ ١٠١)، و «كشاف القناع» (٦/ ٨٣).
(٢) صحيح: أخرجه البخاري (١٨)، ومسلم (١٧٠٩).
(٣) سورة المائدة: ٣٣.
(٤) سورة الطلاق: ٤.
(٥) صحيح: أخرجه مسلم (٢٦٩٩)، والترمذي (١٤٤٩)، وأبو داود (٤٩٢٥)، وابن ماجة (٢٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>